دريان في رسالة الأضحى: نحن في لبنان كلنا أمل بهذا العهد والحكومة ورئيسها التي نريد منها أن تعمل على إخراجنا من أزمة السلاح ومن استمرار العـدوان إلى رحاب السلام

وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة إلى اللبنانيين من مكة المكرمة، لمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك جاء فيها:

“في كل عام ملايين المسلمين في ضيافة الرحمن، فيتقبل الله طاعتهم وحجهم ودعاءهم وصلاتهم، فيعود الحاج كيومَ ولدته أمه. فهي سلسلة الرحمة المتصلة منذ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لا تنقطع، ولا تضعف، ولا تتراجع.

 

وعندما نؤدي الفريضة التي كُتبت علينا، لا نتذكر دعوة إبراهيم عليه السلام فقط، بل نتذكر أيضا تضحيته وهي الرمز الذي يراعيه المسلمون في شعائر الحج. إنه الأصل الأصيل للعراقة في الدعوة والرسالة، وفي توجه النبي الخاتَم وهو من مكة موئل البيت الحرام وقد قال صلوات الله وسلامة عليه: إن مكة مسقط رأسه، وبسبب وجود البيت الحرام فيها، هي أحب بقاع الأرض إليه، ولولا أن القوم أخرجوه منها لما خرج. هو موسم ماجد من أي جهة أتيته، في الإخلاص لله، والتضحية والعبادة الخالصة لوجهه، ورجاء بل يقين الفرج بالدعاء عند البيت العتيق.

 

منذ ما يزيد عن مائة عام يقاتل الفلسطينيون من أجل الحرية والدولة، وهم يتعرضون لمذابح وإبادة ما شهدت البشرية مثلها في غير الحروب الكبرى، لماذا يحصل ذلك؟ لأنه لا حساب ولا عقاب ولا عتاب على المستوى الدولي، والقُطُر المفروض أنها سائدة في العالم. أين السواد وأين الإصغاء لنداءات الأطفال والنساء والشيوخ والعجَّز وصرخاتهم؟ وأين هي حقوق الإنسان التي هي من شِرعة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن تجاه هؤلاء المعذبين في فلسطين؟

 

وفي كل فترة آخرها قبل أيام، يقوم أحد الصهاينة المحتلين باقتحام المسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين. كل الجهات تحذر من الحروب الدينية، لكن جهات النفوذ والتأثير وصُناع القرار لا تقول شيئا عندما يجري اقتحام المسجد الأقصى من جانب عصابات من المستوطنين. ما يزالون يبحثون عن آثار للهيكل المزعوم في هذه المساحة التي لا تتسع لهذه الأهوال، لكنه التعصب الأعمى الذي لم يعرفه المسلمون ولا البشرية في تاريخهم القديم، ولا يريدون معرفته في العصر الحاضر، لكنه يوشك أن يكون مفروضا عليهم. لا نريد أن نُخيف العالم، ولا أن نخاف منه، وإنما نريد العيش الآمن والعزيز في هذا العالم.

 

في الواقع لا يريد أحد هذا النهر الجاري من الدماء البريئة المسفوكة. وكما يريد الفلسطينيون التخلص من المحتل، فكذلك لبنان وجنوبه. ما عادت الاعتداءات الإسرائيلية قابلة للهضم بأي صيغة، ولا بأي ثمن. ولذلك يكون على المجتمع الدولي المسارعة في إدانة حرب البغي والعدوان، والعمل على وقف النار. إنها صرخة تهتز لها القلوب والعزائم ومشاعر البشر. نريد أن يتوقف هذا القتل والإبادة للبشر والحجر، وهذا الازدراء للمقدسات، وهذا العمل العدواني على الأفراد والمجموعات، والأمل في مستقبل آخر وأجيال أخرى ستكون بالتأكيد أشد حرصا على مكافحة العدوان!

 

أيها الإخوة،

السلام قيمة كبرى ولا حياة ولا بقاء للبشر بدونه. لكن أهل العدوان لا يريدون ذلك لهذه الملايين في غزة، وفي خارج غزة. وهم لا يريدونه لنا في لبنان الذي ما يزالون يحتلون أرضه، ويضطهدون إنسانه. ولذلك وفي حضور الأضحى، أضحى إبراهيم ومحمد نقول ما قاله الله لإبراهيم عندما أرادوا به كيدا فجعلهم عز وجل الأخسرين، قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم.

 

نحن في لبنان كلنا أمل بهذا العهد والحكومة ورئيسها التي نريد منها أن تعمل على إخراجنا من أزمة السلاح ومن استمرار العدوان إلى رحاب السلام. ونريد منها الخروج من الأزمات المالية، والاقتصادية، والمعيشية، والاجتماعية. ونطالب بالسياسات الصالحة والمستقيمة أن نتجاوز أزمنة ما كانت قيم العدالة والإنصاف والاستقامة سائدة فيها. فالإصلاح إرادة وقرار شجاع وحكيم، وضرورة وطنية قصوى وحاضرة، وهو دعوة الأنبياء والرسل، لبنان بحاجة إلى إصلاح متكامل في الحياة السياسية والوطنية والمؤسساتية في الأداء، ما كنا مسرورين بالأجواء المتشنجة في الانتخابات البلدية. لكننا كنا مطمئنين ومتفائلين بحضور الدولة ومؤسساتها الأمنية والسياسية وحياديتها وبنضالها، من أجل استعادة الثقة والاحترام، وبنزاهتها وتأمين كل سبل الحرية للمواطنين، ليتحملوا مسؤولية اختيارهم لهذه المجالس البلدية المؤتمنة على مصالح الناس في نطاق مهامها.

 

أيها الإخوة، أيها المواطنون،

نتشارك في الدولة الواحدة، والهوية الواحدة، والاحترام المتبادل، والعيش المشترك، وقيم المواطنة، والتضامن والسلام. ونريد لوطننا وإخواننا في الجوار الفلسطيني السوري أن تنفتح أجواؤهم وبيئاتهم على كل خير وسلام، وأمن بعد الشقاء، والقتل، والتهجير”.

وهنأ مفتي الجمهورية اللبنانيين عامة، والمسلمين خاصة بعيد الأضحى المبارك.

 


Exit mobile version