ترامب…من الغزل إلى العزل…خطة “الغدر الاستراتيجي”

في ولايته الثانية، يبدو دونالد ترامب أكثر وضوحاً في غموضه، إذ يملك خططاً سياسية وعسكرية محكمة، تشبه إلى حدّ بعيد أساليبه في عالم المال والأعمال: تصفية الخصوم واحداً تلو الآخر، ضمن سياسة تبدأ بالغزل وتنتهي بالعزل.

نجح ترامب في تطبيق سياسة “الاستفراد”، حيث لا يواجه جبهة واحدة موحّدة من الخصوم، بل يعمد إلى تفكيك تحالفاتهم أولاً… ثم يسدّد لهم الضربات تلو الأخرى.

1- البداية: تحييد “العدو الأخطر” مرحلياً – إيران

منذ لحظة عودته إلى البيت الأبيض، أدار ترامب تركيزه نحو إيران. فرض عليها عقوبات اقتصادية قصوى، وفتح في الوقت ذاته باب المفاوضات في الكواليس، مظهراً انفتاحاً مصطنعاً على الاتفاق معها.

كلام ناعم عن “التفاهم” مع إيران، وتحذير علني لنتنياهو بعدم تخريب المفاوضات، وفي الوقت نفسه ضوء أخضر لإسرائيل للحرب على إيران.

وحين صمدت الأخيرة وبدأت تستعيد المبادرة، فاجأها بضربات استباقية استهدفت منشآتها النووية، في واحدة من أكثر العمليات تعقيداً من حيث التوقيت والرسائل السياسية.

وفي الوقت نفسه، كان يُطلق العنان لتصريحات دافئة تجاه بوتين، يصفه بـ”الصديق”، ويعد بعدم توسيع الناتو شرقاً. لكن كل ذلك لم يكن سوى مقدّمة للمرحلة التالية.

2- شطر التحالفات الإقليمية: تفكيك الشراكة الروسية–الإيرانية

بمجرد ضرب إيران، بدأ ترامب بشدّ الخناق على موسكو. فرض عقوبات جديدة، أرسل إشارات دعم لكييف، وترك الباب مفتوحاً لاحتمال التصعيد المباشر مع روسيا.

وسوريا كانت المؤشر الأوضح: روسيا بقيت متفرّجة من قاعدة حميميم على انهيار مناطق النظام، ولم تحرّك ساكناً أمام الهجوم التركي – الإسرائيلي، واكتفت بتأمين الأسد وبعض أركان نظامه وعائلته.

وحين تلقت إيران الضربة، اكتفت موسكو بإدانة باردة أشبه بالصمت، وكأنّ ثمناً ما دُفع لها في أوكرانيا مقابل غضّ النظر عن الحليف الإيراني.

اليوم، بوتين معزول أكثر من أي وقت مضى، ضحّى بسوريا دون مقابل، فقد ثقة الإيرانيين، ولا تزال خسائره تتعاظم في أوكرانيا.

3- سياسة “القطاف الفردي”: من لبنان إلى الصين

في هذه الاستراتيجية، لا يضرب ترامب الخصوم دفعة واحدة، بل يسعى إلى تجريد كل طرف من حلفائه.

وها هو يضغط اليوم على روسيا بعقوبات سياسية واقتصادية مزدوجة، وبدعم عسكري استراتيجي لأوكرانيا.

أما الصين، فقد وضعها على جدول الاستهدافات المقبلة: نزاع تايوان، الحرب التكنولوجية، والاستثمارات الآسيوية… كلها ساحات جاهزة للقطاف.

إعلان الإثنين: بداية المواجهة؟

تترقّب العواصم العالمية إعلاناً مهماً من ترامب بشأن روسيا، من المتوقع أن يرفع فيه وتيرة التصعيد، ويعلن عن عقوبات إضافية، ويكشف عن خطة أميركية لإمداد أوكرانيا بسلاح كاسر للتوازن.

ما هو واضح أن ترامب قد بدأ المواجهة مع بوتين، وسيعلن غداً عن تحوّل استراتيجي في العلاقة مع روسيا وبوتين تحديداً، بعد أن فُكّكت الجبهات الخلفية من غزة إلى لبنان وسوريا وإيران، مروراً باليمن والعراق.

فهل نحن أمام مرحلة جديدة من الحرب الباردة؟

وماذا عن الصين التي تراقب بصمت، وتعلم جيداً أن دورها قد اقترب ؟

علي منصور – بنت جبيل.أورغ