«السليقة»: أطباق تراثية من خيرات الأرض.. وتجارة في زمن «الإنهيار»

كتب رمال رمال جوني في صحيفة نداؤ الوطن  تحت عنوان “”السليقة”: وجبات صحّية لأطباق تراثية من خيرات الأرض”:

عادت «السليقة» إلى الواجهة مع استفحال الأزمة الاقتصادية وإرتفاع اسعار اللحوم والدجاج، فـ»السليقة» أو ما يعرف بأعشاب الأرض الصحّية، وكانت مصدر غذاء رئيسي للأهالي قبل ثمانينات القرن الماضي، قبل أن تأتي الوجبات السريعة والأكل المستورد ليسيطر على مائدة الطعام، ها هي اليوم تنقذ العديد من العائلات من الفقر.

مع بداية الأزمة شهدت «السليقة» هجمة غير مسبوقة عليها لإعداد الطعام الصحّي من «العصّورة» إلى «البقلة» و»العجّة» وغيرها، كانت ربّات المنازل يقصدن الحقول مع أول شتوة لجمع الهندباء والحميضة والشومر وغيرها.

غير أنّها اليوم باتت تجارة مربحة، مع تهافت الناس للبحث عنها. لساعات يومياً يبحث أبو نضال عن «السليقة» في حقول بلدته كفررمان، يحاول أن يجمع كمّية وافرة منها بناء على طلب كثر، فهو يبيع الكيس الذي يضمّ مجموعة من الأعشاب بـ35 ألف ليرة، ويرتفع السعر حسب الطلب، على ما يقول.

لم يكن أبو نضال من عشّاق «السليقة»، كانت زوجته تقوم بهذه المهمّة سابقاً، غير أنّ المرض أقعدها، وإضطرّته الظروف للعمل بها كعمل مربح هذه الأيام، فهو خَبِر الأعشاب وأماكن تواجدها، يبحث عن «الخبّيزة» و»الجرجير» و»الشومر» و»العنّة»، فالطلب كبير على هذه الأعشاب لأنّها تدخل في علاج الرشح والالتهاب والانفلونزا كما يقول، إضافة إلى «الزعتر البرّي» حيث ارتفع الطلب كثيراً عليه مع ارتفاع أسعار الأدوية، فالزعتر يعالج الكريب الحادّ والانفلونزا، فهو يدخل في تركيبة العديد من الأدوية، مثله مثل الشومر.

في النبطية سوق للخضار البلدية متعارف عليه منذ زمن، يعرض المزارعون فيه نتاج أرضهم على بسطات بسيطة، يُعرف هذا السوق بسوق أبناء كفررمان، هنا تجد كلّ أصناف الأعشاب البرّية التي تشهد اقبالاً كثيفاً عليها. يكفي أنها صحّية، تقول صبحية رزق وقد بدأت أخيراً بالبحث عنها لأنّها تساعدها في نظامها الغذائي، تعاني كما تشير، من مشاكل صحّية وقد نصحتها إختصاصية التغذية بالعِلت والشومر والجرجير لأنهّا غنية بالبروتينات وتساعدها على التخلّص من الدهنيات.

واذا كانت صبحية تشتري «السليقة»، فإنّ فؤاد وجد فيها فرصة عمل ولو ظرفية: يخرج باكراً إلى الحقول، يتأبّط كيسه ويحمل سكيناً يجول البراري بحثاً عن الأعشاب التي تنتجها الأرض ولا تحتاج رعاية أو كلفة مادية، فهي تجارة مربحة، كما يقول، وقد خَبر هذا النوع من العمل الذي فرضته الظروف الصحّية والاقتصادية، ويؤكد أنّ «البحث عن الاعشاب يمدّك بالطاقة الايجابية، يكفي أنّك تهرب من كلّ مشاكل الداخل وقد ارتفع الطلب عليها كما سعرها، ما حفّزه ليجول أكثر في الحقول باحثاً عن كمّيات وافرة منها».

فرضت الأزمة الاقتصادية على الناس العودة للأرض وخيراتها، فصحن «العنّة مع البطاطا المسلوقة» يوازي أضخم وجبة طعام سريعة، والأهمّ أنّه صحّي خال من الملوّثات الغذائية. تحفظ أمّ حسن أعشاب الأرض عن ظهر قلب، فهي لم تتخل عن «السليقة» يوماً، تعتبرها فرصة ذهبية للخروج الى الطبيعة وتنشّق الهواء النقي والسير في الحقول، تنتظر هذا الموسم لتبدأ بجمع الأعشاب البرّية من حقول بلدتها زوطر، والتي تدخل في إعداد العديد من الوجبات منها «العصّورة» التي هي كناية عن «عِلت» برّي و»حميضة» وبصل وزيت زيتون، «والبقلة» الأكلة القديمة تشتهر بها قرى النبطية وتضمّ العديد من الأعشاب من الصيفي و»الشومر»، «درّيرة البقرة»، «خبّيزة»، «شومر»، ملفوفة برّية، «سنّورة»، وتعدّ مع البصل والبرغل وزيت الزيتون الصافي وغيرها الكثير، وهي أطباق عادت إليها العديد من العائلات لمواجهة أزمة غلاء المواد الغذائية.

وتعتبرها طبقها المفضلة وهي بحسب وصفها أطيب من اللحمة المدقوقة، أضف إلى أنها صحّية وغير خاضعة لفساد التجّار. تختار أمّ حسن مكاناً بعيداً عن تواجد النفايات والملوّثات لانتقاء أعشابها وتبيع جزءاً منها، لأنّ جيل اليوم بدأ يطلبها ويعرف قيمتها بعدما ذاق ويلات الأكل الملوث، وأكثر تقول: «كثير من سيدات اليوم يرغبن في تعلّم طبخ الأجداد على بساطته، فهو صحّي وخال من السموم معظمه يطبخ بزيت الزيتون»، ومن بين الأطباق التقليدية التي تطلبها السيدات من أمّ حسن كبة الحيلة، بقلة، مهروس ماش، مهروس عدس، العصّورة وهي وجبات صحّية وغير مكلفة على الاطلاق، وفق قول أمّ حسن، التي تفرح في سرّها لانتعاش سوق السليقة اليوم الذي كان في الماضي يقتصر على ربّات البيوت لتسليق حاجتهم، اليوم بات فرصة عمل لكثيرين من أبناء المنطقة.

 


Exit mobile version