الرئيس بري: المشكلة بين الموارنة.. وما أسمعه لا يُريحني!

كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”

الرئيس نبيه برّي متشائم. كل علامات الاستحقاق الرئاسي في الداخل سودٌ. لا مؤشرات إيجابية إلى الآن على الأقل تحمله على الاعتقاد بأن انتخاب رئيس للجمهورية وشيك. لا حماسة لديه لتوجيه دعوة إلى جلسة ثانية عشرة ما دام التوافق على الرئيس معدوماً.

منذ 19 كانون الثاني الفائت لم يلتئم مجلس النواب في جلسة انتخاب. مذذاك لا فائدة من انعقاده مجدداً في ظل انقسام غير مسبوق يسود نصابيْه الدستوري والسياسي لإنهاء الشغور. انتخاب الرئيس عالق بين فكيْ الثلثين المتعذريْن وميثاقية الاقتراع. كلاهما وجهان لعملة واحدة. حضور ثلثي النواب يتضمن ميثاقية الاقتراع غير المقتصر على طائفة واحدة – وإن هي طائفة الرئيس – بل يشمل الطوائف الأخرى كذلك، لا سيما طوائف المثالثة. ما بات عليه المجلس اليوم، كأحد أدهى تداعيات انتخابات 2022، أن أسوأ من أن يمتلك فريق واحد نصاب الأكثرية يفرضه على الآخرين، هو أن لا يتمكن المجلس أبداً من الاجتماع لأن لا نصاب فيه – من دون الجميع – في الاستحقاقات الدستورية الملزمة.

القلق، غير المحدث، الذي يعبّر عنه رئيس البرلمان نبيه برّي أن «الخارج لا الداخل هو الذي يشتغل بالرئاسة اللبنانية كأنه هو وحده يصنعها».

لا يوافق برّي على أن بيان وزارة الخارجية الفرنسية في 20 نيسان أعاد الاستحقاق الرئاسي خطوات إلى الوراء بتنصل باريس من دعمها انتخاب سليمان فرنجية رئيساً. لا يزال يتمسك بترشيحه كما حزب الله وحلفاؤهما، ولا يزال يعتقد بأن السجال يدور من حول هذا الترشيح، على الأقل بالنسبة إلى مؤيديه. ويقول: «ليس تنصّلاً وليس حتماً نفياً. ما هو إلا محاولة تطرية الموقف»، معبّراً ضمناً عن يقينه بأن الفرنسيين لم يتخلوا عن ترشيح النائب السابق لزغرتا، قبل أن يشرح مفهومه لـ«النفي» الذي يكون أحياناً في معرض التأكيد أو أقل بقليل من ذلك. ويستعيد هنا واقعة قديمة يمكن أن يُطابَق بها مغزى النفي الفرنسي: «كانت لياسر عرفات ومنظمة التحرير في ما مضى وكالة أنباء اسمها وفا معروف عنها أن ما تعلنه في الصباح تنفيه بعد الظهر. ذهبت ومحسن إبراهيم يوماً إلى عرفات. بدخولنا عليه قال للفور: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، استغفر الله العظيم. ثم أضاف: خير إن شاء الله. عندما أراكما أستعيذ بالله. قال له محسن إبراهيم: نبيه لديه ما يسألك عنه. قلت: ليس عندي ما أسأل ولا ما أجيب. احكِ أنت. قال محسن: أبو عمار لديكم وكالة وفا أم وكالة نفى؟».

ملخص ما يراد استنتاجه، دونما أن يفصح رئيس المجلس، أن الفرنسيين ماضون بفرنجية، وهم يحاولون استيعاب ردود الفعل حيال موقفهم خصوصاً من الأفرقاء المسيحيين وأخصهم الذين يرفضون انتخابه. ويضيف: «وجّهوا إليه (فرنجية) أسئلة في باريس وقالوا إنهم سيرسلونها إلى السعودية ويعودون إليه بأجوبة. إلى الآن لا علم لي إن أتت الأجوبة. ننتظر عودة السفير السعودي المفترض أنه يحملها. إذا عاد بها وكانت إيجابية سنلمس الشغل على الأرض هنا في لبنان وليس في الخارج. المحزن الآن، وهذا بادٍ تماماً، أن الخارج لا نحن هو الذي يشتغل بالرئاسة اللبنانية».

ماذا يتوقع من الموعد المضروب له اليوم مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان؟ يقول برّي إن الزيارة «مهمة لأنها التحرّك الإيراني الأول حيال لبنان بعد الاتفاق السعودي – الإيراني في الصين. حصول الزيارة مهم في ذاته. علينا انتظار ما سيحمله. لكن أيضاً انتظار عودة السفير السعودي». ويتابع: «سوى ذلك نحن في مأزق. ما لا أفهمه ولا أجد تفسيراً له ونحن في معضلاتنا التي لا تتوقف، أن بين الأفرقاء مَن لا يريد الدخول إلى مجلس النواب، وبينهم مَن لا يريد الدخول إلى الحكومة، وبينهم مَن لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية. أنا متمسك بوجهة نظري بأن المشكلة بين الموارنة المختلفين على الرئيس. اليوم (أمس) 25 نيسان الذكرى الخمسين لوفاة الرئيس فؤاد شهاب. أسترجع ما قاله يوماً إنه عمل للموارنة ويجب أن تُعمل لهم مصلحتهم غصباً عنهم. سواء هناك مَن أيده أو لم يؤيده، لا رئيس في تاريخ لبنان عمل كفؤاد شهاب على إنشاء مؤسسات».

يقول رئيس المجلس أيضاً: «ما أسمعه أخيراً لا يريحني ويطمئنني. المؤسف أننا بتنا نعتمد على الخارج في انتخابات الرئاسة. كل طرف يغني على مواله ويملك فيتو وله شروطه. لا نسمع ببوادر حلول مقدار ما نجد أنفسنا محاطين بفيتوات من كل جهة».

عندما يقال له إنها ليست المرة الأولى يصنع الخارج انتخاب الرئيس وآخر المرات كان ما حدث في اتفاق الدوحة عام 2008، يعقب برّي: «لسنا الآن في وضع مماثل. اتفاق الدوحة أولاً سبقه حوار وطني في أكثر من جولة، والأفرقاء اللبنانيون جميعاً بلا استثناء جلسوا إلى طاولة الحوار وتحاوروا واتفقوا واختلفوا. اليوم لا يريد الفريق الآخر الحوار. دعوت إليه أكثر من مرة فرفضوا. لا حوار قائماً سوى بين أطراف الفريق الواحد. كلٌ ينغلق على الآخر بينما المطلوب أن يتحدث الأفرقاء جميعاً بعضهم مع بعض. هناك أيضاً ما يختلف، وهو أن اتفاق الدوحة نجم عن أحداث وظروف سياسية وأمنية معلومة ولم يقتصر على انتخاب رئيس للجمهورية – وهذا بالذات ما نحتاج إليه الآن – بل وضع تسوية شملت أكثر من بند كانتخاب الرئيس وتأليف الحكومة والأحجام فيها وقانون للانتخاب حظي بموافقة الجميع. لسنا الآن في صدد سلة حلول مطلوبة كاتفاق الدوحة، بل المعضلة الوحيدة هي انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت. في ما بعد تأتي الخطوات التالية المطلوبة من حكومة ما بعد انتخاب الرئيس. لسوء الحظ لا أجد الآن سوى السلبيات. السلبيات فقط».


Exit mobile version