“أمر لم أشهده منذ سنوات”.. الذهب ملاذ آمن بعد سطو المصارف على ودائع الناس: اللبنانيون اشتروا ذهباً بما يفوق المليار دولار في العام 2022!

تحت عنوان “الذهب ملاذ آمن بعد سطو المصارف على ودائع الناس” كتبت باسمة عطوي في نداء الوطن

لم يعد السعي لاقتناء الذهب حكرا على السيدات في لبنان، على اعتباره مصدراً للزينة والتباهي، ووسيلة “لتخبئة القرش الابيض لليوم الاسود”، بل أيضاً وسيلة للاستثمار والربح لدى شريحة من التجار والمغتربين، بعدما تحولت المصارف الى “مقبرة” لودائعهم منذ اندلاع الازمة في العام 2019. وليس أدل على هذا التوجه الجديد سوى أرقام الاستيراد في العام 2022، والتي بلغت اكثر من مليار دولار بحسب نقابة تجار الذهب.

في تفصيل سوق الذهب الداخلي يبرز معطيان، الاول هو اقبال كثيف على شراء الذهب من قبل بعض من يملك الدولار، سواء أكانوا تجاراً أو موظفين أو مغتربين يريدون الحفاظ على قيمة أموالهم، والثاني تحوله الى أداة للربح من قبل المقيمين من خلال شراء سبائك الذهب حين كانت اسعاره منخفضة، (مع رفع الفائدة في المصارف الاميركية)، وبيعه عند ارتفاع أسعاره كما حصل مؤخراً بعد أزمة البنوك الاميركية.

عمار: الطلب كثيف

تروي ليلى عماّر (مالكة متجر لبيع الذهب) لـ“نداء الوطن” أنها سافرت خلال العام المنصرم 3 مرات الى تركيا وايطاليا لشراء الذهب، بسبب كثرة الطلب عليه. وجميع زبائنها حالياً هم إما مغتربون يريدون الحفاظ على أموالهم من خلال شراء السبائك والاونصات، أو ممن يتقاضون رواتبهم بالدولار الفريش، فيعمدون الى شراء الليرات الذهبية لحفظ القيمة، واستعمالها عند الحاجة من دون تكبد خسائر”. تضيف: “العام الماضي وهذا العام كان ممتازاً لجهة الاقبال وحركة البيع والشراء، وهذا أمر لم أشهده منذ سنوات، حتى ربات البيوت يحرصن على عدم الاحتفاظ بالدولار، وشراء الحلي للزينة ولبيعها عند الحاجة”.

فرحات: والفضة ايضاً

تؤكد زينة فرحات (تاجرة جملة للذهب والفضة)، لـ”نداء الوطن” أن “كلام عمّار صحيح الى حد كبير، وهي تختبره من خلال تعاطيها مع زبائنها من أصحاب المتاجر، مع اضافة معطى آخر وهو أن الاقبال المستجد هو على شراء الفضة أيضاً وبشكل كثيف مؤخراً، بعد سريان توقعات بأن أسعار سبائك الفضة سترتفع في المرحلة المقبلة”.

رزق: عوامل عديدة

على ضفة نقابة تجار الذهب في لبنان، يشرح النقيب نعيم رزق لـ”نداء الوطن” أن “مبيعات الذهب زادت في لبنان خلال العام 2022، في حين ان السوق في العامين 2020 و2021 كان راكداً بسبب جائحة كورونا وتوقف الاعمال والانتاج ليس في لبنان بل أيضاً في كل دول العالم”، موضحاً أنه “بعد بدء الحرب الروسية وانخفاض سعر الذهب وزيادة الفائدة على الدولار عالمياً، والافلاس الحاصل في المصارف ومنها المصارف اللبنانية، كل هذه العوامل أدت الى زيادة الاقبال على اقتناء الذهب كسبائك واونصات وليرات، وبات الناس يخافون من اقتناء الدولار ويشترون الذهب، وهذا الامر مستمر حتى اليوم”.

طلب على الأونصات والليرات

يضيف: “اليوم نشهد طلباً كبيراً على الاونصات والليرات، خصوصاً من قبل المواطنين العاديين، لأن الاسعار تتراوح بين 2500 دولار و460 دولاراً. وفي العام الماضي وصل سعر الاونصة الى 1620 دولاراً، بينما وصل سعرها في آخر 2022 الى 1800 دولار”، مشيراً الى أنه “حين تمّ الاعلان عن افلاس أكثر من مصرف أميركي، زاد خوف الناس وحصل ضغط على شراء الذهب ليس في لبنان فقط بل أيضاً عالمياً. لأن من يريد الحفاظ على قيمة أمواله بات يحمل المعدن الاصفر”.

يرى رزق أن “الوضع الاقليمي والاتجاه نحو استعمال عملات أخرى غير الدولار الاميركي (الروبل الروسي واليوان الصيني)، تدفع الناس للهروب من اقتناء الدولار وافتراض أن هذه العملات ستخفّض من قيمته وأن سعر الذهب سيزيد، مما يدفعهم لشرائه واقتنائه”، لافتاً الى أن “الزبائن في لبنان هم كل من يريد الحفاظ على أمواله، وكل من سحب من وديعته حرص على شراء سبائك ذهب للحفاظ على قيمتها، بالاضافة الى المغتربين الذين يركزون على شراء الاونصات والليرات”.

مليار دولار في سنة

يضيف: “في العام 2022 اشترى اللبنانييون ذهباً بما يفوق المليار دولار، وشهد سوق الذهب في لبنان ضغطاً كبيراً، وكان هناك زبائن يتسلمون مشترياتهم (سبائك واونصات وليرات) بعد أسبوع أو أكثر، لحين وصول الذهب من الخارج. وكل تجار الجملة كانوا يشهدون ضغطاً في المبيعات، واعتقد انه في هذا العام سيستمر الضغط والاقبال”، مشدداً على أنه “لا مشكلة في الاستيراد بل هناك تأخر في مواعيد الاستلام، بسبب الطلب الخارجي على الذهب أيضاً، وهناك شركات لبنانية وأجنبية حوّلت جزءاً من أصولها الى ذهب”.

ويختم: “يمكن القول إن الذهب بات أيضاً عملة اضافية ومصدراً لتحقيق الربح. فكثير من الناس اشتروا الذهب على سعر منخفض في أوائل العام 2022، وباعوه في نهاية العام حين ارتفعت الاسعار وحققوا مردوداً جيداً. ففي بداية 2022 كان سعر الاونصة 1650 وحالياً سعرها يقارب 2000 دولار”.

إقبال عالمي

عالمياً يتخذ سعر الذهب منحى تصاعدياً، ويشهد تزايداً في طلب ارتفعت وتيرته بعد أزمة البنوك الأميركية. وتخطى سعر المعدن الأصفر حاجز الـ 2000 دولار للأونصة، ويقترب من أعلى مستوياته التاريخية التي حقّقها عام 2020 عند بلوغه مستوى 2073 دولاراً. كما تتهافت الدول لزيادة احتياطاتها من الذهب. إذ وفق تقرير مجلس الذهب العالمي حصلت عملياتُ شراء ضخمة من قبل البنوك المركزية خلال عام 2022، ورفعت الطلب على الذهب إلى أعلى مستوى له في 11 عاماً، بحيث اشترت البنوك المركزيّة 1136 طنّاً من الذهب العام الماضي، وهو أعلى مستوى سُجّل في 55 عاماً. ومثّلت مشتريات الصين 5.4 بالمئة منها، إذ إنّ بنك الشعب الصيني كان أكبر المشترين، وقد واصل حيازته للذهب، ليبلغ إجمالي الاحتياطي حوالى 2068 طنّاً. وعمدت دول عديدة أخرى إلى إضافة الذهب إلى احتياطياتها، منها روسيا التي كشفت مؤخّراً أنّها اشترت 31 طنّاً من الذهب بين شباط 2022 وآذار 2023.

 


Exit mobile version