تمكّنت المملكة العربية السعودية من إنتاج فيلم الإثارة النفسي “الخطّابة” وتقديمه الى الجمهور العربي على منصة “نتفليكس”، وهو ينقل سلسلة من الأحداث الغامضة والمليئة بالتشويق التي تخطف أنفاس المشاهدين، وتحملهم في رحلة مشوّقة من مكتب معاصر في المدينة إلى المنحدرات التاريخية لمحافظة العلا السعودية التي أدرجتها “اليونيسكو” ضمن قائمة التراث العالمي. ويقدّم النجم حسام الحارثي شخصية “طارق”، وهو موظف يعمل في قسم تكنولوجيا المعلومات في المدينة، يقع في غرام متدرّبة جديدة ويتبعها إلى منتجع صحراوي تجتاحه قوى غريبة وتسيطر عليه، فهل يحاكي فيلم الرعب والإثارة الجديد واقع المجتمع الخليجي أم هو فكرة من نسج الخيال؟
وقال حسام الحارثي: “رغم أن الفيلم من نسج الخيال، إلا أنه يلامس في بعض جوانبه حياة المجتمعات الخليجية والعربية عموماً، مثل الضغوط والتوقعات التي يفرضها عليك المجتمع، وأيضاً القيم الطبقيّة والعائلية، وتأثير المعتقدات الخارقة للطبيعة في حياتنا. ويتطرق الفيلم الى هذه المواضيع بأسلوب فريد ومشوّق يجمع بين الرعب والحبكة القوية. وكان اختيار موقع التصوير في مدينة العلا الصحراوية التاريخية في المملكة، إضافة مهمة تناسب قصة الفيلم وتجعله أكثر أصالةً. وفي المجمل، أعتقد بأن فيلم “الخطّابة” هو عمل فنيّ مختلف ولا يُنسى، ويقدّم تجربة مشاهَدة ممتعة تشدّ المُشاهدين”.
حسام الحارثي يكشف عن قِصاص جذوره موغلة في القِدم
وعن شخصيته في الفيلم، أشار النجم السعودي إلى “أن “طارق” هو شخصية خجولة ومتردّدة، يعمل في قسم تكنولوجيا المعلومات، ويبحث عن فرصة للقيام بشيء مختلف واستكشاف المجهول. ويمكنني القول بأنه يخوض رحلة لاكتشاف الذات حين يواجه مخاوفه وينطلق لخوض تجارب جديدة. عادةً ما أحاول أن أجد النقاط المشتركة بيني وبين الشخصية التي أؤديها، وشخصية “طارق” قد تشبه الكثير من الناس، فكثيرون منّا مرّوا بمشاعر الشك والتردّد نفسها. كما أن سعيه لاكتشاف الذات والتطوّر الشخصي هو مسألة بشرية يمرّ بها كل إنسان أينما كان، ولا شك في أن المشاهدين من مختلف الثقافات والخلفيات سيفهمون هذه الشخصية”.
ولفت الحارثي إلى أنه لم يواجه أي صعوبات في التحضير للشخصية، قائلاً: “لقد بذل المنتجون، مشكورين، قصارى جهدهم لجعلنا مرتاحين قدر الإمكان أثناء التصوير. وكان لموقع التصوير وسط مشهد صحراوي خلاّب في مدينة العلا السعودية دور مهم في ذلك، إذ قدّم خلفية مذهلة ومميّزة للفيلم. وأعتقد بأن فريق العمل يشاركني الرأي في تقدير كل الدعم الذي قدّمه لنا أبناء المجتمع المحلي والسلطات المختصة من أجل إنجاز هذا العمل. تجربة تصوير الفيلم كانت بمجملها إيجابية ومُجدية لكل من شارك في هذا المشروع المختلف”.
وأضاف في حديث لمجلة “لها” أن “فيلم “الخطّابة” سيُشكّل إضافة مهمّة ومميّزة للسينما السعودية، فهو يطرح وجهة نظر جديدة على أفلام الإثارة النفسية. ويتناول الفيلم مجموعة من الموضوعات المهمة، بما في ذلك المشاكل الاجتماعية، والقوى الخارقة للطبيعة، وقوة العلاقات البشرية والتواصل. كما أن قصّته وشخصياته قريبة إلى الجمهور العربي، وهو يعكس ما يتمتع به صنّاع الأفلام والممثلون المحليون من موهبة. قد لا يكون هذا النوع من الأفلام منتشراً في السينما العربية، ولكن هذه الصناعة بطبيعتها متنوعة ودائمة التغيير. والمملكة العربية السعودية تحديداً أولت أخيراً اهتماماً كبيراً لأفلام الرعب، ويتّجه المزيد من صنّاع الأفلام نحو هذا النوع ويقدّمون أعمالاً ترتقي بحدود الإبداع. وأرى أن فيلم “الخطّابة” هو دليل على هذا التنوّع المتنامي في السينما السعودية، ويُظهر أن لدينا المؤهلات لتقديم المزيد من الأعمال المُقنِعة في المستقبل”.
وعن السينما السعودية وما ينقصها لتصبح أكثر انتشاراً في الوطن العربي، قال الحارثي: “تطورت صناعة السينما السعودية بشكل كبير في الآونة الأخيرة، مع الزيادة اللافتة في المواهب المحلية التي قدّمت أعمالاً مهمة تعكس غنى الثقافة السعودية والحياة المعاصرة فيها. ومن المهم أيضاً العمل على تعزيز الشراكات مع الموزّعين وخدمات البث مثل “نتفليكس”، لمساعدتنا في تقوية الصناعة بشكل عام ووصول أفلامنا إلى جمهور أوسع. فـ”نتفليكس” على سبيل المثال، أظهرت كيف يمكن القصص من أي مكان من العالم أن تصل إلى الجمهور العالمي، وهذا ما ساعد المواهب وصنّاع الأفلام العرب في كسب معجبين من حول العالم. وأتمنى رؤية المزيد من هذه المبادرات في المستقبل، وأعتقد أيضاً بأن مواصلة الاستثمار في صقل المواهب وبناء بيئة غنية ودائمة لنقل المعارف، تساعدنا في إنتاج أعمال متميّزة والمنافسة على الساحة العالمية”.
ريم الحبيب… الخطّابة الشريرة والغامضة
وإلى جانب النجم حسام الحارثي، تلعب النجمة ريم الحبيب دور الخطّابة الغامضة المليئة بالأسرار والتي تُقيم في الصحراء وتَعِد كل رجل تلتقي به ومن ضمنهم “طارق” بجمعه بعروسه المثالية، حيث أكدت “أن الدور الذي أقدّمه مختلف من نواحٍ كثيرة، سواء مقارنةً بالأدوار السابقة التي أدّيتها، أو بالأدوار التي شاهدتها في الأفلام السعودية الأخرى… وطريقة تقديم الخطّابة كشخصية شريرة ولها دور محوري في تغيير حياة مَن حولها في الوقت نفسه، هو ما شدّني قبل أي شيء. من جهة ثانية، الفيلم يقدّم نوعاً سينمائياً جديداً نسبياً في السعودية، لأنه من أول أفلام الإثارة النفسية ويطرح القصة بأسلوب مشوّق يجذب الجمهور لمتابعتها بشغف حتى النهاية. أعتقد بأن هذه الخطوة مهمة بالنسبة الى صناعة السينما، وأتمنى أن نرى المزيد من الأعمال التي تقدّم المرأة بأدوار أكثر قوةً في السينما المحلية، وعلى مستوى المنطقة، وبطريقة يمكن أن تشدّ المشاهدين من حول العالم وتنال إعجابهم. وآمل أن تكون هذه بداية الطريق لتقديم المزيد من القصص العربية إلى العالم، وإعطاء المُشاهد فرصة لمتابعة محتوى لم تتسنَّ له الفرصة لمشاهدته من قبل”.
وعن شخصيتها في الفيلم، قالت الممثلة السعودية إن “الخطّابة هي امرأة مضطربة ومكسورة الخاطر، ولكنها قويّة وقادرة على إظهار قوّتها في مختلف الظروف. حين يتعرض الإنسان لحادثة مؤلمة، فإنه إما أن يهرب أو يقف ويواجه، وهي اختارت أن تحارب وتثأر لنفسها. كما أن الخطّابة هي شخصيّة غامضة وتفرض نفسها بقوّة، وهذا ما سيراه المُشاهد. وأرى أن هذه الشخصيّة تأخذنا في رحلة لسبر أغوار النفس البشرية، وتصف العلاقات التي نقيمها مع الآخرين، وتقدّم رسالة عن تأثير المرأة حين تصمّم على تحقيق هدف ما”.
وأضافت: “لم أقم بشيء محدّد أو بأمر غير اعتيادي لتقمّص الشخصية، بل قرأت النص من منظور نفسي لأتمكن من فهم طبيعة الدور وتقديمه بصدقية على الشاشة. وهذا ما جعلني أفهم الدافع النفسي للعلاقات المختلفة في القصة، ودور الخطّابة في حياة كل شخصية. وعندها تمكّنت من التواصل مع الشخصية وأردت تقديمها على الشاشة بطريقة حقيقية. بطبيعتي كممثلة، من المثير للاهتمام بالنسبة إليّ تمثيل دور شخصيّة غامضة ولا يمكن التنبؤ بتصرفاتها”.
وعن تأثير تفاصيل الفيلم المليئة بالرعب والإثارة في حياتها الشخصية، قالت ريم الحبيب: “لحُسن الحظ، أنا قادرة على التحكّم بنفسي جيداً وفصل نفسي عن العمل من أجل الحفاظ على صحتي العقلية”. وأضافت: “أنا منفتحة على أداء أدوار مختلفة في المستقبل، إذا كان عليّ اختيار نوع محدّد، لربما كان دور حركة “أكشن”، أو دوراً رومانسياً بكل معنى الكلمة. ولكنني استمتعت حقاً بدور الخطّابة، ولذلك أعتقد بأنني سأحبّ تمثيل دور آخر معقّد حول النفس البشرية. وبالنسبة الى النجوم الذين أتمنى العمل معهم من الوطن العربي، فإن كان لي أن أختار فسيكون لي الشرف بالعمل مع الفنانَين القديرَين منى واصف وعابد فهد. أحب أن أعمل مع أشخاص يمكنني أن أتعلّم منهم الكثير، أشخاص لديهم موهبة عظيمة وقادرون على تقديم أداء متميّز أيّاً كان نوع الدور الذي يلعبونه”.
وعن النهضة الفنية في السعودية، قالت ريم: “صناعة الأفلام السعودية تأخذ مساراً واعداً جداً، وهذه ليست سوى البداية، وأعتقد بأن من الطبيعي أن تتعمّق معارفنا ونكتسب المزيد من الخبرة في مجالات مثل تأليف السيناريو وتقديم قصص وشخصيات واقعية بمرور الوقت. أرى أن فيلم “الخطّابة” يعطي فرصة كبيرة للمرأة على الشاشة، وكان من الرائع رؤية مدينة العلا التاريخية العريقة تتألق على الشاشة. إنه موقع جميل مع مناظر خلاّبة وإرث ثقافي غني، شكّل عنصراً أساسياً في قصة الفيلم، وهذا ما جعلني سعيدة للغاية”.
نور الخضراء… المتدرّبة التي يقع في غرامها البطل
كذلك تقدّم النجمة نور الخضراء دور المتدرّبة التي يقع في غرامها “طارق” ويهيم بها عشقاً ويلاحقها إلى منتجع في الصحراء، حيث يكشف عن قِصاص تمتد جذوره لزمن قديم وتبدأ من خلاله مغامرة مليئة بالإثارة والرعب. وعن دورها في الفيلم، قالت نور: “شخصية “سلمى” شدّتني على الفور، لأنها شخصية معقّدة ووجدتُ أنه سيكون من الممتع استكشاف جوانبها. كما لفتتني علاقتها مع الشخصيات الأخرى، وحبكة القصة القوية والمُقنِعة. أعتقد بأن الجمهور سينجذب الى شخصية المتدرّبة الغامضة والمتلوّنة، وكذلك للبحث عن الجانب الطيّب في شخصيتها، والذي توارى تحت ستارٍ من التجارب المؤلمة… إن أكثر ما يثير في شخصية “سلمى” هو الصراع الداخلي الذي تعيشه. وما شدّني أكثر، كممثلة، هو الاختلاف الكبير بين شخصيتي الحقيقية وشخصية المتدرّبة، لقد وجدت في ذلك تحدياً ممتعاً”.
وأضافت: “أمضيت وقتاً ممتعاً في أداء دور المتدرّبة، وكانت التجربة بمجملها رائعة. كما ذكرت سابقاً، شخصية المتدرّبة مختلفة كثيراً عن شخصيتي الحقيقية، وكانت تحدّياً جديداً بالنسبة إليّ، ولكنني استمتعت بتمثيل هذا الدور وأدّيته بكل صدق. فيلم “الخطّابة” من أوائل أفلام الإثارة النفسية في السعودية، وهو ما أضفى مزيداً من التشويق على هذه التجربة، التي كانت سعودية بامتياز. وقد ساعدنا موقع التصوير في مدينة العلا التاريخية، الغنيّة بالمناظر الخلاّبة والإرث الثقافي، وعلى الرغم من طقس الصيف الحار، كان لهذا المكان سحر خاص يبعث على الهدوء والطمأنينة”.
وعن الصعوبات التي واجهتها خلال التحضير لشخصيتها، كشفت نور: “كنت أعرف نوعاً ما الأمر الذي سأُقدم عليه منذ البداية، واندمجت تماماً بالدور. برأيي، كل إنسان يمر بمثل هذه المشاعر، أو لربما بجزء منها خلال حياته. شخصيتي في الفيلم تريد تحقيق العدالة، ولكن من خلال الانتقام، مع أنها تدرك أن الحقد والكره يسبّبان لها مزيداً من الألم. ولأقدّم أفضل أداء، كان عليّ أن أتخيّل نفسي أختار الانتقام بدل الغفران في أي أمر سيئ أو حدث مؤسف حصل معي. إنه دائماً الاختيار بين الخير أو الشرّ”.
وفي سياق منفصل، أكدت الفنانة السعودية: “أعمل على ثلاثة أفلام طويلة لم يُعلن عنها بعد، وكان لي الشرف بأن أكون جزءاً من كل واحد منها. وأعكف حالياً على تأليف فيلمي الخاص، وأتمنى أن يتمّ تصويره خلال السنوات القليلة المقبلة. أفخر بأن أكون جزءاً من صناعة السينما السعودية في هذه المرحلة من نموها وازدهارها، وأعتقد بأن فيلم “الخطّابة” شكّل نقلة نوعية في السينما السعودية، فهو الأول من نوعه في أفلام الإثارة النفسية، ولديّ فضول لرؤية صداه بين الجمهور”.
اترك ردك