تحت عنوان “من يرتاد المطاعم و”المولات” ويستهلك ما يحلو له؟” كتبت باتريسيا جلاد في نداء الوطن:
في حين يتفاقم الفقر والجوع والعوز لدى شرائح واسعة من المجتمع مع انهيار العملة الوطنية ما انعكس تضخّماً في المواد الحياتية الضرورية للمواطنين كالغذائية منها والمحروقات، تبرز مشهدية الحركة الدائمة والإشغال المستمرّ في أغلى المطاعم في لبنان وفي المراكز التجارية وكأن البلد الذي يرزح تحت أحد أكبر نماذج الإنهيار الإقتصادي في التاريخ الحديث، في أفضل أحواله!
مشهد الرفاهية الذي نراه في المطاعم والمقاهي التي دولرت فاتورتها وأعادت تسعيرتها الى ما كانت عليه قبل انفجار الأزمة المالية، سببه الطبقة الغنية والميسورة التي لا تتأثّر بارتفاع سعر صرف الدولار وتشكّل «نسبة 5%، تضاف اليها نسبة 25% وهم الذين يعيشون على التحويلات من الخارج ولديهم قدرة على الإنفاق بدرجات متفاوتة لأن بعض التحويلات لا يتجاوز 100 دولار شهرياً، أي ما مجموعه 30% يبلغ عددهم 1,200 مليون شخص» كما أوضح لـ»نداء الوطن» الباحث في الشبكة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين.
إنطلاقاً من هنا يقول إن «أولئك الذين يشغّلون المطاعم والمقاهي والـ»مولات» يشكلون نسبة 30% من إجمالي القاطنين في البلاد البالغ عددهم نحو 4,200 ملايين شخص. حتى أن العمالة الأجنبية في البلاد تتقاضى الرواتب بالدولار الأميركي لا سيما العاملات المنزليات.
طبقة مسحوقة وأخرى هشّة
أما نسبة الـ70% المتبقية من الشعب فهي تنقسم بحسب شمس الدين «الى فئتين: نسبة 25% من الناس هم الطبقة الفقيرة والمسحوقة بالكامل غير القادرة على تأمين المأكل والمشرب والإستشفاء والدواء أي أدنى مقوّمات العيش، ويتوزّع هؤلاء في أحياء مناطق الضاحية وبرج حمّود وطرابلس وعكّار وبعلبك الهرمل…».
يبقى المنتسبون الى نسبة الـ45% المتبقية، فوضع هؤلاء مقبول لكنه هشّ ويميل الى خطّ الفقر. وهم كما قال شمس الدين «أولئك الذين يعملون في «أكثر من مكان»، أو لديهم أكثر من دخل أو تصلهم حوالات محدودة من الخارج. فهم يقفون على «الحافّة». فأي مصروف إضافيّ كعطل في السيارة أو حالة استشفائية طارئة يهزّ وضعهم ويتوجّهون نحو خانة الفقر».
وبذلك هناك هوّة كبيرة بين من ينضوي ضمن نسبة الـ70% ومن يندرج في نسبة الـ30%، وهذا الواقع يترجم على الأرض من خلال مشهدية الإصطفافات على لوائح الـWaiting list التابعة للمطاعم والطوابير التي تنتظر دورها للحصول على ربطة خبز.
فحتى ولو قدّمت الدولة حوافز ومساعدات للموظفين من خلال رواتب إضافية وزادت بدلات النقل، فلا تعوّض تلك التدابير الإرتفاع الكبير بسعر صرف الدولار ومعه أسعار المحروقات التي تخطّت المليون ليرة للصفيحة.
فما نشهده من حركة في المتاجر والمطاعم في بلد صغير مثل لبنان «هم الـ1,200 مليون شخص المقتدرون مادياً أي الأغنياء والذين يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة، علماً أن المطاعم الـ30 التي فتحت ابوابها والتي وظّفت 450 عاملاً قبل فترة الأعياد، لا تعتبر عدداً كبيراً أمام آلاف المطاعم والفنادق الـ13 التي أقفلت أبوابها» استناداً دائماً الى شمس الدين.
أرقام ما قبل الأزمة
وتتناقض النسب المذكورة آنفاً مع أرقام ما قبل الأزمة المالية، إذ كانت تركيبة الشعب اللبناني مبنية على النحو التالي: نسبة 5 في المئة هم من الأثرياء و70 في المئة ينتمون إلى الطبقة الوسطى و25 في المئة من الفقراء، 15 في المئة منهم يرزحون تحت خط الفقر المدقع.
إشارات سطحية
إنطلاقاً من هنا اعتبر الخبير المالي الإقتصادي لويس حبيقة خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن «مشهدية الحركة المسجّلة ليست سوى إشارات سطحية لوضع إقتصادي في حالة انهيار». كيف؟
يعتبر حبيقة أن «الدول التي تشهد عادة أزمات تعاني من الهوّة الطبقية المتواجدة في لبنان». لافتاً الى أنه «صحيح اننا نشهد حركة في المجمّعات التجارية، ولكن ليس كل مرتاديها لديهم القدرة على التبضّع، بسبب تراجع أو انعدام القدرة الشرائية للأكثرية الساحقة من اللبنانيين، حتى أنها باتت شبه معدومة من البعض وتقتصر على شراء بعض الحاجيات». وبات معلوماً أن تقاضي شريحة كبيرة من موظفي القطاع الخاص ربع الراتب بالدولار الأميركي، وتدفّق تحاويل من المغتربين اللبنانيين من الخارج، يضخّ العملة الخضراء في السوق ويحرّكها بشكل محدود. معلّلاً حبيقة وجود قدرة على الإنفاق كالتالي: «إن عدد المطاعم قليل ونسبة 5% من سكان لبنان يمكن إشغالها بسهولة من المقتدرين او الذين يتقاضون راتبهم بالدولار أو من المغتربين القادمين الى البلاد».
الواقع مرير
والمفارقة كما أوضح أن «كل ذلك لا يعبّر عن الواقع المرير الموجود في لبنان، والذي يبرز في عدم إمكانية أي مواطن على سبيل المثال الحصول على قرض لشراء سيارة أو منزل، وفي جمود القطاع العقاري والبناء… حتى أن المريض في لبنان بات غير قادر على تلقّي العلاج الإستشفائي بسبب الفوارق الكبيرة التي عليه تسديدها بدلاً من الجهات الضامنة.
إذاً تلك المشهدية المتناقضة في التفاوت الطبقي التي نشهدها في الدول الفقيرة أو التي تعاني أزمات ليست صورة مستجدّة، واستشهد حبيقة بـ»هاييتي» أو دول أفريقية حيث نرى تناقضات طبقية، ففي حين يموت الشعب من الجوع، هناك طبقة غنيّة تنفق المال الوفير في المقلب الآخر. مشيراً الى أن «الفروقات في الدخل في الدول الفقيرة والنامية هي أكبر بكثير من الدول الأوروبية.
إذا مشهد التناقضات المستشري والبارز في الهوّة الطبقية في لبنان والذي يتنقّل مع المشاهدات اليومية التي نسجّلها، هو مشهدية مألوفة في عدد من الدول في زمن الإنهيار والإرتطام الكبير.
اترك ردك