ما ان يطلق مدفع النبطية طلقته عند الإفطار حتى يهدأ روع الصائمين ويقبلون على الإفطار بعد صيام 16 ساعة من النهار، وفي الحديث الشريف انه للصائم فرحتان”فرحة عند افطاره وفرحة عند لقاء ربه”.
تحافظ مدينة النبطية على تقليد موروث عن الآباء والاجداد منذ أكثر من 100 عام، يرافق شهر رمضان ويلازمه من اليوم الاول وحتى نهاية الشهر وهو مدفع الافطار الذي يوضع على بيدر النبطية كل سنة لإطلاق طلقة واحدة خلابية أثناء الإفطار عند المساء لإعلام الصائمين بانتهاء الصوم اليومي والبدء بتناول الطعام. كما يطلق المدفع طلقة أخرى عند الإمساك فجرا إيذانا بالتوقف عن الطعام والشراب، و6 طلقات مع قدوم العيد تأكيدا للبهجة والفرح. ويشرف على المدفع ويديره عضو لجنة الوقف الديني في النادي الحسيني في النبطية خضر كمال بمعاونة نجله محمد بمواكبة من مفتي وإمام مدينة النبطية الشيخ عبد الحسين صادق ومن المسؤول الإعلامي للنادي مهدي صادق.
ويشرح المسؤول الاعلامي للنادي الحسيني في النبطية المؤرخ مهدي صادق “للوطنية” فيقول: “إن مدفع رمضان في النبطية بدأ منذ أربعينات القرن الماضي قبل وجود مكبرات الصوت على المآذن، وقد وضع على بيدر النبطية لإعلام الناس بموعدي الافطار والامساك كون صوت المدفع يغطي مساحة أوسع من صوت المؤذن الذي كان يطلق الآذان من جامع حي السراي القديم. في ستينات القرن الماضي تولى الجيش اللبناني من ثكنة الجيش – ثكنة الشهيد النقيب عصام شمعون وبالاتفاق مع الاهالي بإطلاق مدفعية صوتية عند الغروب وعند الامساك. وتولى هذا الموضوع الى بداية الحرب الاهلية في لبنان. وخلال فترة الاحتلال الاسرائيلي للجنوب توقف هذا المدفع عن الاطلاق ولم يعد صوت المدفع هذا الصوت المحبب عند الاهالي حيث غطت مدافع العدوان الاسرائيلي التي تحولت الى اصوات الموت. وبعد زوال الاحتلال الاسرائيلي في العام 2000 أعيدت هذه العادة وهذا التقليد الرمضاني من خلال النادي الحسيني وبإشراف إمام ومفتي النبطية الشخ عبد الحسين صادق وعاد ووضع المدفع على البيدر”.
أضاف: “من الاشياء الجميلة فيه ان الاهالي قديما كانوا يأتون بلقيمات الافطار الاولى الى البيدر بـ”صرة”، وعندما كان يطلق المدفع كان الاهالي يتشاركون “حبيبات التمر والمشمش المجفف والجلاب والليموناضة” على البيدر، ثم ينطلقون الى منازلهم لتناول وجبة الافطار. وبعيد العام 2000 أعيد إحياء هذا التراث وهذا التقليد الرمضاني، ليس من باب سماع صوت الآذان الذي باتت كل الناس تسمعه بسهولة لكن من باب إحياء التراث الرمضاني لما يكتنز من معاني التواصل مع الاصالة والتمسك بها وبعادات الأجداد. ويتولى الحاج خضر كمال وابنه إطلاق المدفع، وموضوع تجهيزه من البارود وتمويله هو من إعداد النادي الحسيني واليوم تطلق طلقة عند الغروب فقط. وتوقفت هذه العادة عند الامساك وعند اعلان العيد تطلق اكثر من طلقة، ما بين 5 او 6 طلقات ابتهاجا بقدوم عيد الفطر المبارك”.
وقال رئيس مصلحة الاقتصاد في محافظة النبطية المهندس محمد بيطار لـ”الوطنية :”أثناء الاحتلال الاسرائيلي أوقفنا التقليد لفترة، وأيضا أيام القصف الاسرائيلي وبعد العام 1985 عدنا لنجدد هذا التقليد بإشراف سماحة الشيخ عبد الحسين صادق. نحن نعتبر أن هذه الممارسة هي جزء من تراث مدينة النبطية ومرتبطة بهذه المناسبة العظيمة، شهر رمضان الكريم، حين يحين موعد الافطار ينتظر الناس صوت المدفع مثلما ينتظرون كلمة الله أكبر. هناك من لا يستطيعون سماع صوت الآذان، لكن صوت المدفع عادة ما يصل إليهم. فصار رمزا للفرحة رغم أن المدفع دائما ما ينظر إليه باعتباره رمزا للحروب والدمار والقتل”.
ويقول انه “يبدأ تجهيز المدفع للانطلاق قبل دقائق من موعد غروب الشمس”، مضيفا: “صحيح ان المدفع يحتاج إلى قليل من الوقت والتعب وفيه ثمة خطورة تنظوي على العمل مع البارود، لكن الحمد لله بفضل دعاء القلوب الطيبة والمؤمنين والرعاية الإلهية، استحدثنا نوعا من البارود الاقل خطورة ويصدر صوتا اعلى”.
ويشرح رئيس نقابة تجار الفاكهة في النبطية جهاد الدقدوق أن “طريقة العمل تستغرق دائما حوالي نصف ساعة كاملة للتجهيز”. وقال: “نجهز الحشوة من خلال نوع من الجرائد يتم تحضيره على شكل سبع حشوات، كل حشوة منها لها عملية الضغط المناسبه لها لأنه أي عملية ضغط ليست في محلها بشكل خاطئ ممكن ان تعرضنا للأذى.”
وعبر عن حرصه رغم ذلك، على “إبقاء ذلك التراث حيا”، مؤكدا “ان الناس تريد ان تسمع صوت المدفع، هذا تراث عن الآباء والأجداد وان شاء الله نورثه لأولادنا واحفادنا.”
وقال: “اعتدنا منذ ان كنا صغارا ان نأتي الى هنا حتى نسمع صوت المدفع”.
وتكاد المصادر تجمع على أن العاصمة المصرية القاهرة كانت أول مدينة إسلامية أطلقت المدفع عند الغروب إيذانا بالإفطار في شهر رمضان.
ومازال اطلاق المدفع جاريا في مصر، لكن تتولاه سلطات رسمية منها وزارة الأوقاف وجهات أخرى.
اترك ردك