بنت جبيل.اورغ
في ظل انسداد سياسي داخلي وضغط خارجي متصاعد، تدخل الحكومة اللبنانية جلسة الثلاثاء وهي تُدرك أن ما هو مطروح على الطاولة ليس مجرّد بند إداري، بل لغم قابل للانفجار. الحديث عن “حصرية السلاح” لم يعد عبارة دبلوماسية فضفاضة، بل مقدّمة لاختبار وجودي، داخلياً وخارجياً.
موقف الثنائي الشيعي يبدو محسومًا: لا جلسة حكومية إن لم يُتّفق مسبقًا على صيغة تحمي الثوابت، وتمنع انزلاق النقاش إلى محاولة فرض أمر واقع في ملف السلاح. أربعة من أصل خمسة وزراء شيعة سيقاطعون الجلسة، والخامس لا يزال موقفه رماديًا. الحكومة، إذًا، تتجه إلى جلسة منقوصة، ميثاقيًا وسياسيًا، ما يعني عمليًا: لا قرار، ولا تقدم.
الدولة اللبنانية تميل مرة جديدة إلى ترحيل المشكلة بدل مواجهتها. لكن الفارق أن الخارج لم يعد يقبل بسياسة كسب الوقت. المجتمع الدولي، وتحديدًا الولايات المتحدة، بدأ يتصرّف على قاعدة: إما قرارات واضحة، أو مواجهة مفتوحة. لبنان بات محاصرًا بمهل غير مُعلنة، ومرصودًا بدقة من كل الاتجاهات.
الخطورة لم تعد محصورة في سيناريو استهداف إسرائيلي للجنوب أو الضاحية. هناك قلق أعمق بدأ يتنامى في كواليس القرار: أن يتحوّل الضغط السياسي إلى احتكاك أمني داخلي. أكثر ما يُخشى منه، بحسب التقديرات الجدية، ليس القصف الإسرائيلي، بل انزلاق بعض المجموعات اللبنانية المسلحة، وعلى رأسها ميليشيات حزبية كـ”القوات اللبنانية”، نحو تحرك ميداني بذريعة “فرض السيادة”.
هذا النوع من التحرك، إن حصل، قد يُشعل اشتباكًا داخليًا خطيرًا في مناطق التماس التقليدية. وهو في حال وقوعه، لن يكون تحركًا ذاتيًا فوضويًا، بل مشفوعًا بتغطية إقليمية أو غربية تندرج ضمن خطة ضغط أكبر لتطويع الوضع اللبناني.
على الضفة الأخرى، يُحكى او يتم التسويق لاستعدادات موازية لتشديد الحصار الاقتصادي، كوسيلة ضغط مركبة: سياسية، أمنية ومالية. لا يتعلّق الأمر فقط بعقوبات على حزب الله أو محيطه، بل بتجميد تحويلات، وتضييق على المصارف، وحتى خنق قطاعات حيوية تمسّ حياة الناس مباشرة. السؤال لم يعد: هل هناك عقوبات؟، بل: متى تبدأ؟، وكم تتحمّل البلاد من دون أن تنفجر من الداخل؟
رئيس الجمهورية، الذي وعد منذ بداية ولايته بفتح ملف السلاح، وجد نفسه محاصرًا بين مطرقة الضغوط الدولية وسندان الاتهامات الداخلية بالتساهل أو “تمييع الملف”. حجم الهجوم عليه في الأيام الأخيرة دفعه لإعادة ضبط خطابه السياسي، لكن الخطاب وحده لم يعد يكفي.
لبنان، بواقعيته المعهودة، قد ينجح مجددًا في احتواء الأزمة ظرفيًا. ولكن المهل تضيق، والعوامل المنفجرة تتراكم بحسب التسويق الاعلامي. كل تأجيل لم يعد يُفسّر من قبل الجانب الامريكي – الاسرائيلي على أنه حكمة، بل عجز. وكل انقسام داخلي بات يُستثمر خارجيًا. البلد بالفعل على كفّ عفريت، والهاجس لم يعد فقط حربًا إسرائيلية، بل حربًا أهلية بنكهة اقتصادية ، أمنية ، إعلامية. والمخاوف من الانزلاق صارت أعلى من عتبة القلق.
اترك ردك