في تصعيد عسكري غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، تدخل منطقة الشرق الأوسط مرحلة شديدة الحساسية، حيث لم تعد المواجهة تقتصر على ضربات محدودة، بل تحوّلت إلى اشتباك يومي بين دولتين تمتلكان قدرات عسكرية ضخمة، وسط دعم أميركي واضح لتل أبيب.
هذه الخلاصات جاءت في مقابلة مع الخبير العسكري والاستراتيجي عمر معربوني على منصة بالمباشر، والذي حذّر من أن المنطقة لم تعد على حافة الهاوية، بل أصبحت في قلبها.
بحسب معربوني، فإن ما يجري على الأرض يؤكد أن المعركة دخلت مرحلة “توازن الردع”، حيث تستمر الضربات المتبادلة من الطرفين دون أن يتمكن أي منهما من فرض حسم عسكري سريع. إيران، رغم استهداف بنيتها الدفاعية غرب البلاد، ما زالت قادرة على تنفيذ هجمات صاروخية موجعة بدقة وبكثافة، بينما تعتمد إسرائيل على تفوقها الجوي بدعم مباشر من الولايات المتحدة، التي تؤمّن لوجستيًا وتقنيًا واستعلاميًا عمليات الطيران والضربات في العمق الإيراني.
ويرى معربوني أن المرحلة المقبلة مرشحة لمزيد من التصعيد، إذ أن استمرار المواجهة على هذا النمط لأسابيع سيضع إسرائيل في مأزق فعلي بسبب الاستنزاف المستمر لمنظومات الدفاع الجوي مثل الباتريوت ومقلاع داوود. في المقابل، تمتلك إيران كميات ضخمة من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، ما يمنحها القدرة على مواصلة الرد لأسابيع، وربما أشهر، إذا اقتضت الحاجة.
لكن السيناريو الأخطر بحسب معربوني يبقى استهداف المنشآت النووية الإيرانية، خاصة مفاعل “فوردو”. في حال قررت إسرائيل توجيه ضربة مباشرة إلى هذه المنشآت، فإن الرد الإيراني سيكون شاملًا وقد يخرج الحرب عن السيطرة، ليس فقط في طهران وتل أبيب، بل في عموم الإقليم، نظرًا لخطورة الغبار النووي والتداعيات البيئية الكارثية التي قد تجرّ دولًا كروسيا، الهند، باكستان، وحتى دول الخليج إلى موقف حاد ومباشر.
ورغم كل الدعم الأميركي المعلن والمخفي، يستبعد معربوني أن تشارك الولايات المتحدة مباشرة في الحرب، بسبب حجم الكلفة العسكرية والسياسية المتوقعة، خاصة أن التجربة الأميركية في مواجهة الحوثيين في اليمن كانت مُكلفة، وانتهت بتوقيع اتفاقية تهدئة لم تُعلن تفاصيلها.
ويؤكد معربوني أن الأوضاع تتجه إلى ما يشبه “المراوحة النارية”، حيث تواصل إيران توجيه ضربات مدروسة لا تهدف حتى الآن إلى تدمير شامل، بل إلى فرض حالة ذعر وردع مستدام داخل الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهو ما تحقق بالفعل، مع تسجيل أول موجة نزوح جماعي من مستوطنات كبرى منذ عقود، بحسب المعلومات التي حصل عليها.
أما عن أهداف إسرائيل وأميركا من هذه العملية، فيوضح معربوني أن الهدف الأكبر هو إسقاط النظام الإيراني أو شلّه بالكامل، وليس فقط تدمير منشآت نووية. لكن حتى اللحظة، لم تتمكن تل أبيب من تحقيق أيّ من هذه الأهداف: لا البرنامج النووي توقّف، ولا الترسانة الصاروخية دُمّرت، ولا سقط النظام.
وفي ما يخص لبنان، طمأن معربوني إلى أن حزب الله لن يتدخل في هذه المعركة ما لم تقم إسرائيل بعدوان واسع على الأراضي اللبنانية، مشيرًا إلى وجود تفاهم واضح بهذا الشأن بين المقاومة والدولة اللبنانية.
المشهد الإقليمي، كما يراه عمر معربوني، مفتوح على كل الاحتمالات، والسيناريوات المقبلة تعتمد بشكل أساسي على ما إذا كانت إسرائيل ستخاطر بتوسيع المواجهة إلى المستوى النووي، أو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتجاوز خطوطها الحمراء وتدخل المواجهة مباشرة.
وفي كل الأحوال، يرى معربوني أن ما يجري اليوم ليس حربًا عادية، بل مغامرة مفتوحة على احتمالات كارثية قد تهدد أمن المنطقة… وربما الكوكب بأكمله.
اترك ردك