كتب مايز عبيد تحت عنوان “المونديال شمالاً: وحدها المقاهي تنبض كروياً”:
هو «المونديال» الأول بعد الإنهيار الإقتصادي والمالي في لبنان، وللعبة عشاقها الذين لم تسمح لهم الظروف بمتابعة مبارياتها بسبب الأزمة وتكاليف الاشتراك مع الشركة التي تنقل وقائع البطولة. حماسة الناس للمونديال لم تتغيّر لكنّ ظروف الناس هي التي تغيّرت، وعليهم التكيّف مع الأوضاع كيفما كانت.
الأكثرية في عكار وطرابلس من هواة الكرة ومشجّعي الفرق المتنافسة، تلجأ هذه الأيام إلى المقاهي لا سيما الشعبية منها، التي تزوّدت بشاشات لعرض المباريات. في المقابل، فضّل البعض الآخر ورغم ولعه باللعبة ورغبته في مشاهدة المباريات، عدم المتابعة لعدم تكبّد مبالغ مالية غير مدرجة على جدول حساباته في أصعب ظروف تمرّ بها العائلات الشمالية منذ سنوات.
أسطح المنازل والشرفات افتقدت هذا الموسم أعلام الدول المشاركة والرايات، ففي القرى والبلدات العكارية لطالما كانت الأعلام في مثل هذه الأيام تملأ الشرفات وواجهات المحلّات والسيارات. وهي مشاهد استثنائية لا تُرصد إلّا خلال كأس العالم. أمّا الآن فإن الأعلام تكاد تختفي عن الواجهات وتفاعل الناس مع هذه اللعبة لا يتعدّى وسائل التواصل الإجتماعي. هناك يمارسون طقوس التشجيع ويدلون بآرائهم الرياضية مجاناً. في السابق كان المونديال يُشعل الدنيا بما فيها أصوات المعلّقين الرياضيين التي كانت تصدح من كل بيت وشارع وزاوية، وإذا ما حان موعد انطلاق مباراة يختفي الناس من الطرقات ليتسمّروا أمام الشاشات للمتابعة، سواء في المقاهي أم المنازل. أصوات زمامير المونديال وصيحات الشباب والمراهقين، والصوت الواحد «غوووول»، كلّ هذه المظاهر انتقلت من الأحياء والمنازل، إلى المقاهي الشعبية الصغيرة التي تتابع المباريات بشاشاتها. المقاهي الشعبية تعيش زمن عزّها. في هذا الصدد يقول أحمد العلي وهو صاحب مطعم وسناك في سهل عكّار قام قبيل كأس العالم بتحويله إلى مقهى شعبي إنّ «المونديال حرّك العمل وبسبب الأزمة لم يتمكّن كُثر من شراء «رسيفر» والاشتراك مع القنوات المشفّرة الناقلة للمباريات، فتحوّل الناس من بيوتهم في اتجاهنا». ويضيف: «يبقى المقهى أفضل من المطعم فهناك حركة مع بداية المونديال لم تكن موجودة في السابق ونأمل في أن تستمرّ إلى ما بعد المباريات خصوصاً أنّ الدوري الأوروبي مقبل أيضاً».
علي الميدا الذي كان يتابع مباراة السعودية وبولندا وهو من مشجّعي السعودية والبرازيل قال: «كنا نفضّل أن نتابع المباريات في المنزل لأنّه أكثر راحة، لكنّ الظروف الصعبة بدءاً بعدم توفر التيار الكهربائي وصولاً إلى عدم القدرة على تأمين إشتراك القنوات المشفّرة، تدفعنا إلى المقاهي الرخيصة، فنحن ندفع بحدود 20 أو 30 ألف ليرة مع كل مباراة».
يتأبّط الشاب خالد علم البرازيل الموجود في المقهى، يحمله ويدور فيه ويلفّ به رأسه. يقول: «أنا مشجّع للبرازيل وأعشق هذا العلم. لقد حُرمنا حتى من شرائه، لأنّ أي علم مهما صَغُر حجمه، تجاوز سعره المئة ألف ليرة». ويتابع: «كم كنت أتمنى بعد الفوز الأول للبرازيل أن أسير بتظاهرة شعبية بسيارتي دعماً لها، إنما البنزين نار… نحن نعيش حرماناً رياضياً بكل معنى الكلمة ومن استطاع منّا مشاهدة مباراة فريقه الذي يشجّعه وليس كلّ المباريات فهذا بحد ذاته إنجاز».
وبين هذا وذاك ثمة من ليس بمقدوره متابعة المباريات لا في المنزل ولا في المقهى، وتراه يبحث في هاتفه الجوّال؛ على موقع مجانيّ من هنا أو تطبيق من هناك يمكّنه من مشاهدة المباريات التي يحبّ من دون تكاليف إضافية. ومن الناس من يكتفي بمعرفة نتائج المباريات وآخر تطوراتها عبر «الواتس اب» مع أصدقائهم ممن يتابعون المباريات في أوقاتها وغير كل أولئك هناك شبانٌ يشتركون بـ»رسيفر» واحد في منزل أو دكان ما ويقومون بجمع ثمن المازوت لتشغيل مولّد كهربائي وقت المباراة لأنه على حدّ قول بعضهم «الحمل على الكتري خفيف».
اترك ردك