في مشهد يعكس خللا بنيويا في التعاطي مع السياسة الخارجية تحول وزير خارجية لبنان يوسف رجي إلى عنوان للجدل والسخرية بعدما فشل في “رفض” موعد لم يطلب منه اساسا من امين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني. الواقعة التي انتشرت على مواقع التواصل لم تكن مجرد زلة بروتوكولية بل نموذج على ذهنية حزب القوات اللبنانية في إدارة الملفات وكأن مؤسسات الدولة مزرعة حزبية تدار بمنطق المناكفات لا بمنطق المسؤولية
المعلومات المؤكدة تشير إلى ان لاريجاني لم يطلب أصلا لقاء مع رجي لكن الأخير تعامل مع الأمر وكأنه انتصار شخصي قبل أن ينكشف الموقف كـ “احراج ذاتي” جعله هدفا للتندر الشعبي. مصادر مطلعة اكدت أن رجي انزعج من التجاهل الإيراني وحاول عرقلة الزيارة عبر اقناع رئيس الحكومة وشخصيات اخرى بعدم استقبال لاريجاني الا ان هذه المحاولات باءت بالفشل
اللافت أن سلوك رجي في هذا الملف لم يكن حادثة معزولة بل امتداد لنهج سياسي يختزل الدولة في حزب ويختزل وزارة الخارجية في منصة لتصفية الحسابات. فمن الصعب جدا أن يدير حزب مثل القوات اللبنانية مؤسسة دولة وهو حزب اعتاد البحث عن المكاسب الفئوية وتوزيع الخدمات على مناطقه كما حصل في وزارة الطاقة كما ذكرت جريدة الاخبار.
وما سبق ان تعامل أي وزير خارجية في تاريخ لبنان مع هذه الوزارة وكأنها ملكية خاصة لحزب معين لفرض عقليته السياسية، ومهما كانت حدة الانقسامات السياسية أو عمق الخلافات الداخلية. فوزارة الخارجية اللبنانية رغم كل التجاذبات حافظت تاريخيا على الحد الأدنى من الانضباط المؤسسي واعلى معايير الدبلوماسية باعتبارها واجهة الدولة امام العالم لا واجهة حزب أمام جمهور.. هذه الذهنية الحزبية الضيقة تطيح بأبسط قواعد البروتوكول الدبلوماسي وتحول الوزارة إلى منبر للتعليقات الشعبوية بدل أن تكون واجهة لبنان أمام العالم. وفي وقت يحتاج فيه لبنان الى تماسك داخلي وانفتاح وحرفية في التعاطي مع القوى الإقليمية والدولية يجد نفسه أمام دبلوماسية مرتجلة لا تختلف عن أداء مسؤول حزبي يمارس نشاطه الحزبي داخل قريته!
الخلاصة أن ما جرى ليس مجرد سقطة سياسية بل إشارة تحذير من خطورة ان تتحول الوزارات السيادية إلى ادوات بيد أحزاب تتعامل مع الدولة بعقلية نحن الدولة فيما الدولة الحقيقية تدار بعقلية المؤسسات لا بعقلية سمير جعجع ومندوبه يوسف رجي.
اترك ردك