اللواء ابراهيم: “لن نترك لبنان ولن نحمل حقيبة ونهاجر.. ونحن متمسكون بثروة التعايش الاسلامي المسيحي للنفس الأخير”

زار المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم دير “سيدة الخدمة الصالحة” في بلدة جبولة البقاعية في قضاء بعلبك، حيث استضافته الراهبات المكرسات وعددهن 27 يخدمن هذا الدير بحسب شعار رهبانيتهن المستمد من كلام يسوع المسيح “من اراد أن يكون فيكم كبيرا فليكن لكم خادما وهو نفسه أتى ليخدم لا ليخدم”.

في الدير الوسيع المفعم بالوداعة والمحبة والتواضع والخدمة، كان اللقاء مؤثرا بين اللواء ابراهيم و100 طفل يتيم تراوحت اعمارهم بين الثلاثة والعشرة اعوام، استقبلوه بنثر الورود وأغنية “نورت الدار”. لتستقبله بعدها الراهبات وفي مقدمهن رئيسة الدير الام جوسلين جمعة، وبعد صلاة قصيرة في كنيسة الدير، رحبت الام جمعة باللواء ابراهيم مقدمة له درعا تكريمية والقت عند وصوله كلمة جاء فيها: “باسم الاخوات المدبرات، باسم اخواتي الراهبات، باسم مؤسسات رهبانيتنا، وطبعا باسمي الشخصي، ارحب بسعادتكم اصدق ترحيب معربة عن سعادتنا جميعا باستضافتكم في ديرنا الام في جبولة، أي في بيت الله والناس. اننا نقدر مبادرتكم ولفتتكم الكريمة، إنكم السباقون في حضوركم الى ديرنا ورهبانيتنا، ليس فقط للزيارة، ولكن ايضا للاقامة معنا، ولو لوقت قصير، وكم نتمنى ان يكون طويلا”.

أضافت: “إن مبادرتكم ستترك بصمة طيبة في تاريخ رهبانيتنا التي فتحت ابواب مؤسساتها لجميع الناس لاننا نؤمن برسالة هذا الوطن المعذب لبنان، وبتوجيهات امنا الكنسية التي تبشر في كل مكان بالاخوة الانسانية، ونؤمن لا بل نلتزم تعاليم سيدنا يسوع المسيح الذي تركنا كل شيء وتبعناه، لكي ننشر محبته لجميع الناس وبخاصة لاخوته الصغار الذين يعانون من الفقر والضيق والقهر والظلم والذين يرغبون بالتربية والتعليم”.

تابعت: “إن زيارتكم يا سعادة اللواء هي افضل تعبير عن تقديركم لعملنا ولرسالتنا، إننا نقدرها كثيرا وبقدر تقديرنا نحن نفرح بها نعم، اننا نفرح بها لاننا نرى فيها مناسبة لكي نقوى بسعادتكم. شكرا على كل ما تقومون به من اجل وطننا لبنان. شكرا على اهتمامكم بتذليل كل العقبات التي تعترض قيام دولة الحق والعدالة والامن. شكرا على تحملكم كل الصعوبات والمخاطر من اجل اطلاق سجين او مخطوف ومن اجل اعادة التواصل بين السياسيين ومن اجل تأمين العلاقات الحسنة بين لبنان وسائر الدول، من اجل المطالبة بإبقاء لبنان ساحة حوار وعيش اخوي ووطنا يليق بالانسان”.

وقالت: “نعم، يا سعادة اللواء، على كل ذلك نشكركم وينسحب الشكر ايضا على كل مبادرة تقومون بها وتحملون مسؤوليتها من اجل كل المواطنين، ومن اجل تأمين الامن على كل الاراضي اللبنانية وبخاصة على ارض هذه المنطقة التي تحبونها والتي صمدنا على ارضها طوال الايام العصيبة التي مرت علينا وعلى الوطن الرسالة. نعم، هنا صمدنا لأن مؤسسنا المثلث الرحمات المطران يوسف المعلوف، ارادنا أن نكون هنا شاهدات لعمل الرحمة وللخدمة، وللتواصل مع جميع الناس. لأننا نرى فيهم أخوة وأخوات ولأننا جميعا. عيال الله وموضوع محبته، ولأننا مكرسات، كما أراد مؤسسنا لهذه القيم، فنحن نؤمن أن محبة الله تتجسد بمحبة أخينا الإنسان، كائنا من كان. ولذلك أعطانا مؤسسنا المثلث الرحمات اسم راهبات سيدة الخدمة الصالحة، أمنا مريم، وعلى هذا الاسم نحن حريصات وبه نحن ملتزمات، ولذلك تقوم رهبانيتنا بالخدمة في أكثر من مكان وفي أكثر من قطاع، ودوما بتوجيهات أمنا الكنيسة ورعاتها، وبخاصة راعي أبرشية بعلبك للروم الكاثوليك، ودوما أيضا بخدمة الناس الذين نكون معهم، مسيحيين كانوا أم مسلمين”.

وختمت الام جمعة: “نعم يا سعادة اللواء، ان الخدمة تشرفنا وتغنينا ونحن نعيش منها ونساعد، بواسطتها، أخوة وأخوات لنا، من كل الطوائف، لكي نؤمن لهم عيشا كريما وبخاصة في هذه الظروف الصعبة… وطبعا، في أحاديثنا المتبادلة طوال اقامتكم بيننا، ستطلعون على أنواع الخدمة التي نقوم بها، وكم سنكون سعيدات بأن نسمع منكم توجيهات واقتراحات لكي تدوم خدمتنا متألقة وتبقى منسجمة مع ما تقومون به من خدمات ومبادرات تهدف لخير الإنسان، أي إنسان…. إننا نشكركم على زيارتكم، وستكون صلاتنا اليوم، كما كانت سابقا، وكما ستبقى، من أجل توفيقكم وحمايتكم من كل شر، ومن أجل عائلتكم ومن أجل جميع قادة الأمن العام وأفراده، لكي يبارك الله حياتكم وعملكم وجهودكم. ولكي تكلل كل مبادراتكم بالنجاح ليستعيد الوطن عافيته وأمنه وسلامه، وليطمئن المواطن لغده ومستقبله ويثبت على أرض وطن “عمره من عمر الزمن”.

اللواء ابراهيم

من جهته، قال اللواء ابراهيم: “أود أولا شكركن، فرضنا انفسنا على ضيافة هذا الدير وتمضية بضع ساعات في ارجائه العابقة بالصفاء الذهني والفكري والمفعمة بالتضحية تعبيرا عن المكانة التي لعملكن لدي. أنا أقول لكن من اعماق قلبي: نيال المنطقة فيكم. لو وجد أناس في كل منطقة يشتغلون بهذه الروحية بغض النظر عن انتماءهم الطائفي، لكنا في مكان آخر. تحدثت الام الرئيسة بكلام يظهر كم تختزلن من الاخلاق والقيم والقدرة والنية على الاستمرار والتضحية. أنا أشد على أياديكن وأقول لكن أنني أقف الى جانبكن، في كل ما يمكننا القيام به، واعتبروا أنه يوجد لكم أخ في خدمتكن كما أنتن في خدمة هذه المنطقة”.

أضاف: “بالفعل، إنني أشعر أنني بين اخوتي واهلي، فحيثما يوجد بيت لله فهو بيت لنا جميعا بغض النظر عن الانتماء الطائفي. نحن مسلمون وانتم مسيحيون لأنه نشأنا وعشنا كذلك وهذه الثقافة التي تلقيناها في صغرنا، وهذا لا يعني أن هذا صح أو خطأ فنحن جميعنا في الطريق الصحيح طالما أننا ننوي خدمة الانسان والله من خلال الانسان. أعود وأشكركن، واقول لكن أن هذا البلد لا يموت بالتأكيد، وقد مر بظروف شديدة الصعوبة وتخطاها، ربما تكون هذه الازمة من الاشد التي مرت بلبنان، لكن طالما يوجد أناس يعملون مثلكن بهذه النية الصافية، ولديهن القدرة على التضحية فلبنان لن يموت، نحن نقول أن لبنان هو نموذج في العالم. وسبق وقلت للاخوات اللواتي قمن بزيارة لنا، أن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني يصف لبنان بأنه رسالة، فنحن نموذج للعالم، وبقدر ما نتشبث بهويتنا وبثقافتنا، نقدم خدمة للبشرية. إن لبنان، هذا البلد الصغير هو عنوان لحوار الحضارات والاديان بعكس كل ما يقال من أن العالم متجه نحو صدام الحضارات. نحن جميعنا في هذا البلد نقدم عبرة بكيفية التعايش، وهذا في حد ذاته ثروة يجب أن نعرف قيمتها”.

وتابع: “كان السيد موسى الصدر يقول: إن التعايش الاسلامي المسيحي ثروة يجب التمسك بها، ونحن متمسكون بها للنفس الأخير. وإن وجودي بينكن اليوم للعبير عن مدى تشبثنا بالعيش المشترك. أنتن تعكسن حقيقة ما يجب أن يكون عليه الانسان في هذه الارض ومقدار التضحية التي عليه ان يبذلها، إن الرسالة التي تقمن بها هي من أنبل وأسمى الرسالات في هذا الكون. أنا أشد على أياديكن وأشجعكن وأقول لكن مرة ثانية أنني الى جانبكن. أما بالنسبة الى سؤالكن ماذا ينتظر لبنان، فأنا وسط كل هذا الظلام المحيط بنا أقول أن النفق يوشك على النهاية بإذن الله، وأننا سنخرج منه. ليس مهما كم بلغ سعر صرف الدولار مع كل تأثيره علينا، المهم أن تبقى لدينا النية المعقودة لعمل الخير. وطالما أننا متكاتفون ومتضامنون ولدينا هذه الروحية سنبقى أغنياء بهذه الروح ولو وصلنا الى الفقر، وسنبقى قادرين على الصمود والاستمرار لكي نوصل بلدنا الى شاطئ الامان ونحن مصرون على ذلك”.

أضاف: “لن نترك لبنان، ولن نحمل حقيبة ونهاجر، هنا تربينا وتعلمنا وكبرنا، فهذا البلد هو أمانة لدى الجميع ويجب الحفاظ عليه مهما كانت التضحيات والصعوبات، فنحن مستمرون بهذا النهج وهو نهجكن. ما سمعته اليوم يؤكد أنه نهجكن. الانسان هو الاساس، وليس الاساس المسلم او المسيحي. حكت السيدة مريم كما تفضلتن عن خدمة البشر، وليس عن خدمة المسيحيين او اتباع السيد المسيح. والامام علي يقول: الناس صنفان أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، فجميعنا متساوون أمام الله ويجب أن نشتغل على هذا الاساس، وحين نكون في منطقة كما تتواجدن تتآلف غالبية سكانها من المسلمين سنة أو شيعة، تكن انتن تجسدن لبنان وهويته. إن صمودكن هنا هو أهم من صمودنا جميعا، أنتن تجسدن هذا التعايش  وهذا الصفاء وديمومة الحياة المشتركة مع إخوتكن في الاسلام. لقد كرستن حياتكن لخدمة الانسان هنا، واعتقد أن غالبية التلامذة  هم من المسلمين وانتن لا تفرقن البتة بين الأديان ولن تفرقن يوما”.

جولة

ثم، جال اللواء ابراهيم والوفد المرافق في ارجاء الدير، وتعرف من خلال شرح الراهبات على نمط حياة الاطفال اليومي، والتنظيم الدقيق الذي يعيشونه بدءا من طقوس النظافة الصباحية والتهيئة للذهاب الى المدرسة التابعة للدير وفيها 1050 تلميذا من قرى وبلدات الجوار وهي فقط للمرحلة المتوسطة.

واطلع بعدها على مصنع الالبان والاجبان، الذي تصنع فيه الراهبات مختلف انواع الاجبان والالبان، كذلك المونة البيتية وتبيعها في أماكن مختلفة من اجل تمويل رسالتهن السامية التي أوصاهم بها مؤسس “رهبانية الخدمة الصالحة” المطران معلوف (1893-1978).

وأخيرا، التقى اللواء ابراهيم التلامذة الذين قدموا لوحات فنية متنوعة وتراتيل من وحي المناسبة.