أويديس قالباقليان: اللبناني الذي تسلق 80 جبلًا حول العالم!

تحت عنوان “أويديس قالباقليان: اللبناني الذي تسلق 80 جبلًا حول العالم” كتبت جنى الدهيبي في المدن:

حين نسلك مسافات طويلة برحلة هايكينغ (Hiking) مع أويديس قالباقليان (52 عاماً)، ندرك أننا برفقة واحد من أفضل متسلقي الجبال حول العالم. لكن، حين نصغي مليًا إلى قصته، نجد أنفسنا أمام شخصية استثنائية، يدفعها شغفها لمراكمة الإنجازات على قمم الجبال في العالم.  

أويديس الذي احترف نشاطه وموهبته، هو أول لبناني يتسلق ثمانين جبلًا حول العالم خلال عشر سنوات (2009-2019)، ناهيك عن مئات المرات التي تسلق فيها جبال لبنان. وهو منظم مئات الرحلات الجبلية داخل وخارج لبنان، والمرشد والخبير بالإنقاذ الجبلي وتسلق الصخور. كما أن صاحب هذه القصة المليئة بالتحديات، مثقف وخبير بعالم الجبال وتكوينها وأهميتها البيئية والرياضية، وحامل اسم وعلم لبنان عاليًا أينما كان.  

كرّس أويديس استثمار حياته في الجبال ولأجل اكتشافها، وربط تطوعه بالصليب الأحمر اللبناني منذ العام 1998، بوحدة الإنقاذ. فصار مدرب البحث والإنقاذ الجبلي منذ العام 2004.  

وإضافة إلى كونه مؤسس شركة Sports 4Life في لبنان سنة 2007، فهو أيضًا عضو مؤسس ونائب رئيس الاتحاد اللبناني لتسلق الجبال، الذي تأسس العام الماضي برئاسة خضر غضبان؛ وعضو مؤسس لجمعية تسلق الجبال اللبنانية (LCA) منذ 2012، ولفريق تسلق الجبال اللبناني TEAM LEBANON في 2010، ولمنظمة بولي ليبان POLYLIBAN التي تتيح للشباب والهواة اكتشاف لبنان في أحداث متعددة الرياضات غير التنافسية، وتأخذهم من الساحل حتى أعالي القمم الجبلية.

في حديث خاص مع “المدن”، يسرد أويديس قالباقليان سيرته الشخصية مع الجبال منذ كان طفلًا، إلى أن تسلق افرست أعلى قمة بالعالم في 2019، وما سبقها وتبعها من مغامرات وتحديات لا تنتهي مع شخص يشعر بذروة الحياة حين يصل إلى قمم يتجاوز ارتفاعها 4 آلاف متر، حيث يكون الأوكسيجين بأدنى مستوياته وأقل بنحو 20% من الساحل. 

ابن الغينة 

ببساطة، يُعرّف “آفو” (Avo) كما يُلقبه أصحابه عن نفسه بالقول: متسلق ودليل جبال، وناشط خبير في السياحة البيئية. يعود إلى طفولته حيث ولد في قرية الغينة بأعالي فتوح كسروان، فكان شغفه فطريًا بالطبيعة الجبلية. عند بلوغه سبع سنوات، رافق والده إلى الصيد، فاكتشف مهاراته ونمت بنيته الجسدية، فـ”أهم شيء الرُكَب القوية”، كما يقول.  

خلال سنواته الدراسية، كان يصب تركيزه على مختلف أنواع الرياضات، خصوصًا أنه ترعرع في أسرة شغوفة بالرياضة. ذلك أن عمته الرياضية الشهيرة أردا قالباقليان بطلة لبنان في الأولمبياد في السبعينات، وعمه جورج لاعب كرة سلة وكان عضوًا باتحاد ألعاب القوة، ناهيك أن والده كان يشارك ببطولات لبنان للدراجات الهوائية. 

سيرة على القمم 

على قدمه اليمنى، حفر أويديس وشمًا جبليًا ممهورًا باسم وتاريخ القمم التي تسلقها، لأنها مصدر إلهامه وفخره واندفاعه.  

شكلت 2002، نقطة تحول كبيرة في حياته، حين تجلت أمامه صورة مستقبله المنبثقة من الجرود اللبنانية، بعدما بدأ دورة تسلق على الصخور بالحبال مع فريق فرنسي، ودورات مماثلة في الإنقاذ الجبلي مع فرق نرويجية.  

جامعيًا، تخصص اويديس بمجال علم الكمبيوتر، وعمل بهذا المجال لفترة قصيرة، “لأنني كنت أركض وراء حلمي ومنشغل بدورات تسلق الجبال”.  

يقول أويديس أن فضوله لمعرفة سبل التعامل مع الحالات الطارئة دفعه للتطوع بالصليب الأحمر. فاستغل الفرصة لاحتراف عمليات الإنقاذ الجبلي وإدارة الكوارث، وكان ممن شاركوا مع الصليب الأحمر بعمليات الإنقاذ عقب زلزال تركيا هذا العام.  

في العام 2009، “تلقينا دعوة من سويسرا لاكتشاف رياضتهم الجبلية، وتسلقنا ثلاثة من جبال الألب بارتفاع تجاوز 4 آلاف متر، خلال عشرة أيام وبمسافة توازي 200 كيلومتر، وقمنا باجتيازها أيضاً يومياً على الدراجات الهوائية”. يقول: “حينها، عرفت أنني وقعت في حب الجبال، وكانت أول تجربة حقيقية بهذا الارتفاع، خصوصا أن أعلى قمة في لبنان هي القرنة السوداء”. 

يبتسم أويديس مسترجعاً شريط ذاكرته، ثم يروي: “اقترح صديقي حينها أن نتسلق القمم السبع، أي أعلى قمة من كل قارة ضمن الفريق اللبناني”. وحينها، لم يكن هناك أي فريق عربي قد تسلقها جميعها. لاحقاً، وضعوا خطة عملية، و”تمكنا بين 2010 و2016، من تسلق خمس قمم من السبع، وبقي لديه قمة فينسون أعلى قمة بالقارة القطبية الجنوبية، وقمة افرست في النيبال التي يتجاوز ارتفاعها 8 آلاف متر”.  

يتحدث أويديس عن التحديات الجسدية الهائلة، حتى يصبح جاهزاً لتسلق القمم وتجاوز مرتفعات خطيرة تهدد الحياة نتيجة نقص الأوكسيجين.  

كان العام 2019 ذهبيًا بالنسبة لأويديس، حين تمكن من تسلق قمة إفرست التي تحتاج لنحو 70 يوماً، لكنه بلغها بعد 66 يومًا متواصلاً. وهكذا، توج تسلقه لستٍ من أصل سبع أعلى قمم بالعالم وهي: كليمنجارو (5895 م) في أفريقيا، إلبروس (5652 م) في أوروبا، كارستنز (4884 م) في أستراليا، أكونكاجوا (6962 م) في أمريكا الجنوبية، افرست (8848 م) في آسيا، ودينالي (6190 م) في أميركا الشمالية.  

في العام 2018، تسلق أويديس مع صديقه قمة دينالي من دون دليل أو موجه، وحملا على ظهرهما أغراضا تجاوز وزنها 60 كيلوغرام. ويقول: “أجمل ما في هذه الرحلات هو اليوم ما قبل الأخير، حيث نرتاح بعد تجاوز المسافات والتدريبات تحضيراً ليوم الصعود إلى القمة، لكونه الأصعب والأخطر والأطول”.   

حتى الآن، تمكن أويديس من تسلق نحو 80 جبلًا حول العالم في نحو 15 دولة، بينها جبال تسلقها عدة مرات، ليكون أول لبناني يحقق هذا الرقم. ويتمنى لو يتسلق قمة افرست مجددا، ويصفها بأجمل مكان في العالم، حيث تبلغ كلفتها على الفرد نحو 65 ألف دولار.  

ويوجد حول العالم 14 جبلاً بارتفاع يتجاوز 8000 متر. لذا، يطمح أويديس لتسلقها جميعها. وفي لبنان، هناك ثلاثة فقط تمكنوا من تسلق جبلين اثنين من بينها، وهم: مكسيم شعيا تسلق جبلي افرست وتشو أويو (سادس أعلى جبل بالعالم)، نيلي عطاالله تسلقت افرست وكي 2 (ثاني أعلى جبل بالعالم)، وأويديس قلباقليان تسلق افرست وماناسلو (ثامن أعلى جبل في العالم).  

أويديس ولبنان  

يتحدث اويديس بشغف كبير عن ثروة لبنان الجبلية، ولا يتوقف عن تنظيم رحلات جبلية داخلية، جذبت المئات من المتدربين والهواة. يقول: “لدينا سبع سلاسل جبال أساسية من الشمال حتى الجنوب: جبل عروبة في عكار العتيقة الأعلى شمالاً، وجبل المكمل الأعرض لبنانياً وفيه القرنة السوداء، أعلى قمة بالشرق الأدنى (3088 م)، ثم سلسلة جبال لبنان الغربية وفيها جبل المنيطرة، كذلك جبال صنين والكنيسة والشوف، ثم سلسلة الجبال الشرقية حيث يعد جبل الشيخ أعلى نقطة فيها”.  

يضيء اويديس على ثروة جبال لبنان الغنية جيولوجيا، مفيداً بأنها تتميز بصعوبتها وجرودها، ويجدها مناسبة جدًا لتدريب مختلف أنواع متسلقي الجبال حول العالم.  

عمليًا، لا تحصى المرات التي تسلق فيها أويديس جبال لبنان، وقمة القرنة السوداء وحدها تسلقها أكثر من 100 مرة.  

وانطلاقاً من حرصه، يخشى أويديس من الأذى الذي يلحق بالجبال بفعل الكسارات وتشحيل الشجر والعمار العشوائي، خصوصاً في الجرود الحساسة التي يتجاوز ارتفاعها ألفي متر، والتي تعد خزانا ومصدراً للمياه، في جبل المكمل تحديداً. كما يعرب عن أمنيته بأن يصبح جبل المكمل محمية وطنية، نظرا لثروته الطبيعية، ولأنه يضم أعلى نقطة جبلية (القرنة السوداء).  

وبابتسامة التحدي المعهودة لديه، يختم حديث بالقول: “مجرد أن أنظر لأي جبل بالعالم لأول مرة، ونتيجة الخبرة، صرت أعرف المسارات التي يجب أن نسلكها فيه. وأعدكم بإنجاز كبير، قيد التحقق للبنان السنة المقبلة”. ويدعو لترقب أحداث كبيرة يسعى لتحقيقها في عالم الجبال.  

 


Exit mobile version