الظاهرة اليوتيوبية ابراهيم الصقر.. مادة رخيصة للتفاعل.. باهظة الثمن على التعايش والسلم الاهلي.. واخر مهازله: الشيعة في لبنان “فرس” ومنصب مدير الامن العام”للموارنة وبدنا نسترده منهم! (في

موقع بنت جبيل 

في زمن يسعى فيه لبنان للخروج من أزمات اقتصادية وسياسية خانقة، يظهر إبراهيم الصقر كظاهرة إعلامية حادة توظّف خطاب الكراهية الطائفي وتثبت الانقسامات بدلاً من العمل على تجاوزها. حديثه الأخير، المستقى من مقابلاته المتكرّرة على قنوات اليوتيوب، يكشف عن بناء خطابي قائم على العداوة العلنية، حيث يهاجم الطائفة الشيعية بأساليب مباشرة، ثم يُلبّس هذا الهجوم بغطاء سياسي لا يلبث أن يكشف جوهره التحريضي.

يبدأ تصريحاته التحريضية عن الشيعة، حيث يستخدم لغة تمسّ الهوية الجماعية بكلمات مثل: “المسيحي ما بيعيش مع الشيعي… لا ثقافتنا ولا بيشبهنا ولا بنشبهه”. يراه أن الطائفة الشيعية لا تنتمي لثقافته بل هي “الفرس”، ويستعيد التاريخ بأسلوب مشوه حين يدعي أن وجود الشيعة في لبنان هو منة مسيحية، مستحضراً البطريرك الياس الحويك بطريقة استعلائية: “لو ما الحويك ما كان في شيعة بلبنان”.

في سياق مشابه، يلجأ إلى تصوير زحلة كساحة استعمار عقاري طائفي، حيث يقول إن “ثلثي أوتوستراد زحلة صار للشيعة”. هذه الخطابات لا تخشى أن ترسم المشهد بطائفية صافية..طائف إقصائي يرفض الآخر بمنطق وجودي ويستدعي الحماية الطائفية كحل.

 


إبراهيم الصقر لم يكتف بإحياء النبش الطائفي، بل ذهب أبعد حين حرف اتفاق الطائف على هواه، فحوّل منصب مدير عام الأمن العام إلى “حق شرعي للموارنة مسروق من الشيعة”، متجاهلاً أن الطائف لم يذكر يوماً توزيع المناصب على الطوائف، بل أقر فقط مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في مجلس النواب والوظائف العامة. بهذا الخطاب يفتح الصقر العيون على ملفات حساسة داخل الأجهزة الأمنية ويشعل فتائل فتنة جديدة، وكأنّه يريد أن يكتب دستوراً موازياً من عندياته.. انه تحريف متعمد وقح، يفضح مشروعه القائم على استبدال الدولة بمنطق المزرعة الطائفية.

هذا الخطاب لا يشمل فقط الطائفة الشيعية، بل يتعداها إلى نقد حاد للمسلمين عموماً والمسيحيين المختلفين عنه.. و يستحضر مشاهد لجوء السوريين الى اوروبا عبر البحر بطريقة ساخرة اضافة الى الاستخفاف بالبيئة السورية كما قال “لولا المسيحية لكان لبنان مثل سوق الحميدية” ، يهاجم التيار الوطني الحر وميشال عون، ويموه رفضه كأنه رفض سياسي، لكنه يتخذ شكلاً طائفياً بامتياز، حين يصف التيار بأنه “مرتهن” في طريقة بشعة تظهر النية الالغائية للاخر”. 

وليس هذا كله، بل إن الخطاب يؤسس لعداء للماضي، حيث يُسوّق فكرة أن المسيحيين وحدهم “حموا لبنان بدون سلاح”، مستنداً إلى رموز مثل الثقافة الدينية والبطاركة والفاتيكان، بينما يصور الشيعة كفصيل مزعج مستهتر وغير مطبوع بالطابع المسيحي الجمالي.. هكذا يتحول التعايش إلى مواجهة وجودية ويصبح خطاب الصقر، نبضاً لمعاودة الحرب الأهلية الأولى.

لا يقتصر امر الصقر على مجرد أقوال، بل يتحوّل إلى مشروع انتخابي في زحلة أو زعامة سياسية تُبنى على الكراهية المطلقة. والسؤال الأخطر: هل يمكن للبنان، بدستوره الذي يقوم على مبدأ التعايش، أن يسمح لهذا الخطاب المتطرف أن يتحوّل إلى مشروع سياسي؟ الدولة، التي تواجه انهياراً مؤسساتياً واقتصادياً، تبدو عاجزة أو متواطئة بالصمت، فتترك المجال مفتوحاً أمام خطاب فوق القانون. وهو الخطاب الذي وصفه باحثون في الإعلام بأنه يقوم على صناعة “عدو مؤقت يجب إزالته”، وابتكار “شياطين” على قياس اللحظة السياسية: مرّة الشيعة، مرّة السنّة، مرّة السوريين، ومرّة الفلسطينيين… الهدف واحد: شدّ الشارع وتحريك الغرائز. وهكذا يغرق الإعلام اللبناني، الرسمي والخاص، في تأجيج الطائفية بدل تهدئتها، مدفوعاً بشهوة المشاهدات والتفاعل.

تجدر الإشارة إلى أن التوتر الطائفي يزداد مع تصاعد النزاع القريب من الحدود، فقد شهد لبنان خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل صعودًا لخطاب التحريض الطائفي ضد الشريحة الشيعية، مع تزايد حالات التهجير والرفض المجتمعي لاستقبال النازحين في بعض المناطق الذين يرتادون القرى المسيحية، بحجج أمنية وهواجس طائفية.

في نهاية المطاف، ما نواجهه مع إبراهيم الصقر هو أكثر من مجرد شعارات حزبية. إنه تجسيد لتلك العقلية الطائفية العتيقة، التي تنظر إلى الآخر كتهديد وجودي، وتعتقد أن الانتماء الديني يحقّق الانتماء السياسي. الدولة اللبنانية، التي تسعى لإنقاذ ما تبقى من المجتمعات، يجب أن تتدخل، أن تقول لا لهذا الخطاب، ليس فقط قانونًا، بل أخلاقيًا ووطنياً. لأن السماح به يعني فتح الباب لكل من يسعى إلى إطفاء ضوء لبنان الموحد، من خلال تأجيج نار الطائفية المتجددة.