في تطور سياسي تصعيدي، نقل “تلفزيون سوريا” عن مصادره أن الرئيس السوري أحمد الشرع هدّد لبنان بإجراءات دبلوماسية واقتصادية، احتجاجًا على ما وصفه بـ”تجاهل ملف الموقوفين السوريين”المرتكبين لجرائم داخل الأراضي اللبنانية. كما اعلن أن وزير خارجيته، أسعد الشيباني، سيزور بيروت خلال الأيام المقبلة لبحث هذا الملف، في خطوة تُقرأ كرسالة ضغط سياسي أكثر من كونها مسعىً حقوقياً في حين تبرز اشارات الى تدخل سوري بملف موقوفين لبنانيين متهمين بقتل عناصر للجيش اللبناني واعتداء على مواطنين لبنانيين مثل الموقوفين الاسلاميين بينهم احمد الاسير.
لكن هذا التصعيد لا يأتي في عزلة عن المشهد. فهو يتقاطع بوضوح مع سلسلة مواقف لبنانية رسمية متصاعدة، طالبت خلال الأسابيع الماضية بضرورة العودة الآمنة والفورية للنازحين السوريين، بعدما أصبح وجودهم الذي يناهز المليونين عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد والبنية الأمنية والاجتماعية الهشّة في لبنان.
وسط هذا السياق، يُطرح سؤال مشروع: هل تصعيد أحمد الشرع محاولة انتقام سياسي، كرد فعل مباشر على مطالبة بيروت بعودة اللاجئين؟
بدل أن يفتح حواراً مسؤولاً مع الدولة اللبنانية حول تنظيم العودة، أو أن يطرح خطة وطنية لاحتضان من تبقى من مواطنيه في المنافي، اختار الشرع أن يُشهر بطاقة الموقوفين بمن فيهم من ارتكب جرائم موثّقة لابتزاز بيروت، ملوحا بتجميد القنوات الأمنية والاقتصادية، وكأن بإمكانه فرض إملاءاته على الدولة اللبنانية.
هذا السلوك لا يُقرأ إلا بوصفه استعادة مكشوفة لأساليب نظام آل الأسد: التدخل في القضاء اللبناني، فرض أجندة سياسية من خارج الحدود، وادعاء سلطة في بلد ذي سيادة.
وفي بيروت، لم تمرّ التهديدات مرور الكرام. فلبنان، الذي احتضن النازحين السوريين طوال 15 عامًا بلا دعم دولي كافٍ، يجد نفسه اليوم متّهماً بالتقصير من رئيس نظام لم يحرر أرضا محتلة، بل سلمت له، ويواجه خطرا داخلياً، ليختار تصدير أزمته الى افتعال ازمة، وتحديدا مع لبنان.
والسؤال الذي بات على طاولة القرار اللبناني: إذا كان أحمد الشرع قد قرر المواجهة، فهل يردّ لبنان بإجراءات مقابلة؟هل آن الأوان لترحيل مليوني سوري ، أو من صدرت بحقهم أحكام جنائية قطعية؟وهل تتحرك الدولة اللبنانية لتثبيت حقها في إدارة شؤونها الداخلية من دون وصاية جديدة باسم “الملف الإنساني”؟
الأخطر أن ما يجري لا يمكن فصله عن محاولات إقليمية لإعادة تعويم نفوذ سوري سياسي لا شرعي ولا سيادي على حساب الدولة اللبنانية ومؤسساتها.
وفي المحصّلة، يبدو أن الشرع لا يفعل أكثر من الهروب إلى الأمام.. فبدل أن يواجه الواقع السوري المتصدّع، حيث تُحتل أراض، وتُفرض عليه اتفاقات تطبيع وأمر واقع مع قوى إقليمية ودولية، يختار افتعال معارك جانبية مع لبنان، لإلهاء الداخل السوري المتململ من طريقة الحكم الى الاعتداء على الاقليات وانقسام سوريا الى عشرات الفصائل، فهو يرفع صوته في بيروت في حين يخفت صوته في الجولان والقنيطرة وشرق الفرات ويهدد القضاء اللبناني لأنه عاجز عن مواجهة من يحتل أرضه.
فهل تجد بيروت صوتها في مواجهة هذه اللغة المتعالية؟
أم ينجح الشرع كما فعل أسلافه في العزف على هشاشة لبنان لفرض إيقاعه السياسي من جديد
اترك ردك