السيّد علي فضل الله في خطبة عيد الفطر: آن الأوان لهذا العالم العربي والإسلامي أن تتوحد قواه


ألقى العلامة السيّد علي فضل الله خطبتي عيد الفطر المبارك من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بعدما أمّ حشود المصلين الغفيرة ومما جاء في خطبته السياسية: “يأتي العيد في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها أغلب اللبنانيين حيث لا يجدون لقمة عيشهم ودواءهم واستشفاءهم وباتوا غير قادرين على تأمين التعليم لأولادهم ومحتاجين إلى الماء والكهرباء والقدرة على الانتقال. وكان من الممكن أن تكون هذه المعاناة أكثر وأشد، لولا التكافل والتعاون الذي شهدناه ونشهده والذي رأيناه في أجلى مظاهره في شهر رمضان في مبادرات الخير التي انطلقت، ونشهده اليوم في العيد من خلال زكاة الفطرة والعطاءات التي تقدم من أهل الخير، فقد حظي في هذا الشهر الأيتام والمعوقون والمسنون وذوو الحاجة بالتكريم والاهتمام والعناية، وهنا لا بد من توجيه كل الشكر والتقدير لكل من بذل وأعطى وقدم ومن سيتابع ذلك ونريد لهذا العطاء أن لا يتوقف وأن يستمر لبقية الشهور. ومع الأسف يجري ذلك في ظل الترهل الذي لا تزال تعيشه الدولة والذي لا يقف عند تداعيات الصراع الحاصل على صعيد رئاسة الجمهورية أو الحكومة، بل امتد إلى تعطيل مؤسسات الدولة ما يهدد كيانها ودورها، وما جعل المواطنين غير قادرين على تسيير معاملاتهم، وإذا كان من معالجات فهي تقتصر على المسكنات والحلول الجزئية وغير المستدامة ومفاعيلها غالباَ قد تكون عكسية”.

وتابع: “انطلاقاً من هذا الواقع المتردي الذي وصلنا إليه، فإننا نجدد دعوتنا للقوى السياسية الفاعلة إلى الرأفة باللبنانيين الذين من حقهم أن تكون لهم دولة ترعاهم وتقوم بشؤونهم، دولة خالية من الفساد والهدر والمحاصصات التي عبثت بواقعنا وأوصلتنا إلى هذا المنحدر، وذلك بالإسراع بالقيام بواجبهم في انتخاب رئيس للجمهورية يحظى بثقة اللبنانيين التواقين إلى بناء مثل هذه الدولة ويمتلك القدرة على جمع شتاتهم ويكون على مستوى خطورة هذه المرحلة وتحدياتها وحكومة كفوءة قادرة على النهوض بهذا البلد، ومعالجة أزماته والقيام بإصلاحات هي ضرورية لاستعادة ثقة العالم بهذا البلد وثقة إنسانه به. وهنا نقول لكل الذين لا يزالون يراهنون على الخارج وينتظرون كلمة السر منه لحسابهم: كفوا عن رهاناتكم الخاسرة بعدما أعلن هذا الخارج وبكل وضوح ان اللبنانيين بقواهم السياسية هم المعنيون بإنجاز هذا الاستحقاق وعليهم اختيار قياداتهم وان يبادروا إلى القيام بما عليهم. وفي هذا المجال فأن من المؤسف ما شهدناه من اجتماع للمجلس النيابي لإجراء التمديد للمجالس البلدية فيما نراه يتلكأ عن الاجتماع لملء الشغور الذي يقض مضاجع اللبنانيين، ليبقى البلد أسير الصراع والمصير المجهول. وفي خضم هذا الجو القاتم، فإننا نشهد أجواء إيجابية بدأت ترسم على صعيد العالم العربي والإسلامي في المصالحات التي جرت بين السعودية وبين إيران وسوريا، والتي نأمل أن تؤدي دورها في تبريد ومعالجة كل ساحات التوتر العربية وأن تتجاوز كل الحواجز التي وضعت أمامها ممن لا يريدون خيراً لأوطاننا…”.

وتابع: “آن الأوان لهذا العالم العربي والإسلامي أن تتوحد قواه وتتضافر جهوده لمعالجة أزماته والتصدي لمن يريد العبث بأمنه وثرواته واستقلاله، فهو يملك الكثير من مواقع القوة والإمكانات والطاقات التي تؤهله بان يكون له موقع متقدم في هذا العالم لا على هامشه. ولا بد في إطار الحديث عن المصالحات، أن ندعو إلى إيقاف النزيف الذي أصاب السودان في هذا الصراع الداخلي المتواصل، وبات يهدد استقرار هذا البلد ووحدته، ويجعله هدفاً للطامعين بثرواته وموقعه الاستراتيجي..إننا نأمل أن تسارع الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى العمل سريعاً لإيقاف هذا النزيف ومنع امتداده حفظاً لهذا البلد الغني بثرواته وحماية لشعبه وترسيخاً لانتمائه إلى العالم العربي والإسلامي. وهنا لا بد أن نتوقف عندما يجري في فلسطين المحتلة والذي عبر شعبها في الأيام السابقة عن عنفوانه وأرغم العدو على التنازل عن مخططاته التهويدية ومبدياً استعداده لبذل اقصى التضحيات دفاعا عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. اننا وفي هذا اليوم نتوجه بالتحية إلى الشعب الفلسطيني على صموده وتضحياته وإصراره على رد الصاع صاعين للعدو لا سيما المرابطين في المسجد الأقصى والمدافعين عنه وحماته الأبطال، وإلى كل المقاومين الذين يقفون في مواقعهم في مواجهة هذا العدو بكل اباء وشموخ، وندعو إلى تقديم كل وسائل الدعم والقوة والصمود لهذا الشعب دفاعاً عن حقه في حماية نفسه وفي الحرية والاستقلال”.

وختم فضل الله: “نسأل الله أن يحمل إلينا هذا العيد تباشير الخير والأمن والسلام والوحدة والعزة لأمتنا وأن يكون مستقبل بلدنا أفضل من ماضيه، وقد كنا نأمل أن يكون هذا العيد جامعاً يلتقي عليه الجميع، وإن كان التنوع في النظرة الفقهية إلى بداية الشهر أدى إلى الاختلاف في يوم العيد. إننا نعيد التأكيد على أن الاختلاف الفقهي لا ينبغي أن يكون سبباً للنزاع والتراشق والتهم، ما دام مَن عيّد اليوم يريد طاعة الله أو من صام اليوم يريد أيضاً طاعة الله. وإذا اختلفت الآراء اليوم فسيقف الجميع في يوم الغد ليكملوا معاَ هذا العيد المبارك”.