دوريات مؤللة منعت جنوبيين من إعادة الإعمار!

كتبت آمال خليل في صحيفة الأخبار: 

بعد طول انتظار، ظهرت الدولة مجدّداً عند الحدود الجنوبية، لكن ليس لتشهر سلاحها في وجه الاحتلال واعتداءاته اليومية، ولا لإعادة مقوّمات العيش إلى البلدات المنكوبة، ولا لبدء صرف التعويضات وإعادة الإعمار، وإنما على شكل دوريات مؤلّلة لعناصر من قوى الأمن الداخلي، حضرت إلى ميس الجبل وكفركلا وشقرا… لتسطّر محاضر ضبط بحق من شرع في إعادة إعمار منزله!

وفي حين تتسارع وتيرة الاحتلال واعتداءاته اليومية من دون ردّ فعل رسمي محلي أو دولي، يجد الجنوبيون أنفسهم مُلاحقين لأنهم يريدون العودة إلى أرضهم. أكثر من مئة ألف من سكان البلدات الحدودية لا يزالون مشتّتين في أماكن النزوح، في حين تبلّغت الدوائر المعنية في الدولة بأن إعادة الإعمار المموّلة محلياً وخارجياً مجمّدة حالياً «لارتباطها بإنجاز ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل والاستقرار الأمني والشفافية في توزيع المساعدات». ونقلت مصادر مطّلعة عن معنيين في البنك الدولي والاتحاد الأوروبي أن المجتمع الدولي «سيفرض قيوداً على المساعدات لإعادة الإعمار إذا استمر الفساد أو التوظيف السياسي للإعمار».

فبعد طول غياب، ظهرت البزّات الرمادية المرقّطة في ميس الجبل للكشف على خمس ورش بناء في الحي الغربي. حضر عناصر مخفر ميس الجبل من مخفر القليعة الذين التحقوا به بعدما أخلوا، مع عناصر مخفري حولا والعديسة المجاورتين، مراكزهم بداية العام الماضي مع تصاعد العدوان الإسرائيلي.

بعد عودة الأهالي في 18 شباط الماضي، لم يعد العناصر إلى المخفر المتضرر جزئياً لعدم توافر الإمكانات لإعادة تجهيزه. غير أن الإمكانات توافرت فجأة لتسيير دورية من قوى الأمن قطعت عشرات الكيلومترات من القليعة إلى ميس، لتسطير محاضر بحق آل عاشور الذين يشيدون منزلاً صغيراً بمساحة 80 متراً في قطعة أرض يملكونها تزيد مساحتها على ثلاثة دونمات.

وبحسب رئيس بلدية ميس الجبل عبد المنعم شقير، «تحرّك الدرك بناءً على وثيقة وردت من جهاز فرع المعلومات تفيد بتشييد بناء مخالف. وطلبوا وقف الورشة إلى حين الاستحصال على التراخيص اللازمة للبناء من التنظيم المدني والدوائر العقارية». وأشار إلى أنه قدّم للدرك إفادات من البلدية تؤكد أن أصحاب الورشة دُمرت منازلهم بالكامل، ويشيّدون منزلاً صغيراً إلى حين بدء الدولة بصرف التعويضات وإعادة الإعمار، مشيراً إلى أن «القوى الأمنية حرّرت برقية بإفادة البلدية ضمّنتها مطالبتي بتسهيل إعادة الإعمار لمن يستطيع إليه سبيلاً لتسريع إعادة الحياة إلى الشريط الحدودي المنكوب وإعطاء صلاحيات للبلديات بتسيير أمور الناس». المشهد نفسه تكرر في محلة هورة بين كفركلا ودير ميماس حيث شرع علي ح. في تشييد غرفة ومطبخ وحمام بجانب منزله المدمّر قبل أن توقف القوى الأمنية الورشة.

ظهرت الدولة لتطبيق قانون البناء على المنازل المدمّرة، في وقت غابت عن حماية الجنوبيين من الاحتلال والاعتداءات المتمادية، ولم تعمد إلى إعادة افتتاح الدوائر الرسمية والخدماتية، وفيما لا تزال إعادة الإعمار وصرف التعويضات من دون أفق رغم تعهّد رئيس الحكومة نواف سلام من الخيام والنبطية وصور، الأسبوع الماضي، بالبدء في العملية «في أسرع وقت». وفي وقت ينتظر مشروع قانون «إعادة إعمار الأبنية المتهدّمة» مناقشته وإقراره في مجلس النواب.

وكانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي صادقت لدى اجتماعها في ثكنة الجيش اللبناني في صور، في السابع من كانون الأول الماضي، على مشروع القانون الذي يُلغي التعقيدات الإدارية والرسوم المالية لتمكين المواطنين من إعادة بناء منازلهم من دون رسوم أو تراخيص. وبعد ثلاثة أشهر، لا يزال المشروع حبيس الأدراج من دون مناقشة أو إقرار، في حين يواجه السكان الذين شرعوا في البناء مُلاحقات أمنية وقانونية، ما يُفاقم الأزمة الإنسانية ويُغذّي الغضب الشعبي في ظل أزمة اقتصادية خانقة.

وقد لحظت الحكومة في بنود المشروع الجديد قانون «تسوية مخالفات البناء الحاصلة في الفترة بين عامي 1971 و2018»، وأحالته إلى مجلس النواب. وهو ما يمكّن مالك العقار من إعادة بناء منزله المهدّم جزئياً أو كلياً وفق ما كان عليه قبل الهدم باستثناء الأجزاء المتعدّية على الأملاك العامة والخاصة. وتكون عملية إعادة البناء معفاة من الرسوم والغرامات والطوابع المالية، بما فيها رسوم الإنشاءات ونقابتي المهندسين. كما لحظ مشروع القانون التسوية على إعادة بناء المباني المخالفة المشيدة قبل عام 2019. ونصّ على أن تُفتح لدى دوائر التنظيم المدني في الأقضية والمحافظات سجلّات خاصة على أن تصدر التراخيص بناءً على إفادة عن واقع الأبنية المتهدّمة بعد الاستحصال على إفادة تثبت حالة الهدم جراء العدوان.