دراسة مغربية تكشف عن نظام غذائي نباتي

منذ حوالي 11000 سنة، قام البشر بتحول كبير من الصيد وجمع الثمار إلى الزراعة. هذا التغيير، المعروف باسم ثورة العصر الحجري الحديث، غيّر نظامنا الغذائي بشكل كبير.

لعقود من الزمن، اعتقد العلماء أن المجموعات البشرية قبل الزراعة تناولت الكثير من البروتين الحيواني. لكن التحليل كان دائمًا يعوقه ندرة البقايا البشرية المحفوظة جيدًا من مواقع العصر البليستوسيني. لذلك، في الواقع، لا يُعرف سوى القليل عن الممارسات الغذائية في ذلك الوقت.

أنا مرشحة لدرجة الدكتوراه وأدرس هذا الموضوع في المغرب، وكنت جزءًا من فريق بحث كشف عن بعض الأفكار الجديدة حول النظام الغذائي في العصر الحجري.

وباستخدام تقنيات بحثية جديدة، وجدنا أدلة على أن أسلافنا الذين كانوا يعيشون على الصيد وجمع الثمار في أواخر العصر الحجري في شمال أفريقيا كان لديهم نظام غذائي يعتمد بشكل كبير على النباتات، وذلك قبل آلاف السنين من ظهور الزراعة.

تم إجراء معظم الدراسات حول السكان في مرحلة ما قبل الزراعة في مواقع العصر الحجري القديم في أوروبا وآسيا، لذا فإن فهمنا للنظام الغذائي خلال هذه الفترة كان يعتمد إلى حد كبير على النتائج التي توصلت إليها تلك المناطق. كما كانت معرفتنا محدودة بسبب سوء حفظ بعض المواد في المناطق القاحلة مثل شمال أفريقيا.

بحثنا يغير هذا. إنه يتحدى الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بأن الصيادين يعتمدون في المقام الأول على البروتين الحيواني، ويضيف إلى ما هو معروف عن الأنظمة الغذائية ما قبل الزراعة في مختلف المناطق.

آثار كيميائية في العظام والأسنان

تخيل أنك قادر على معرفة ما أكله شخص ما منذ آلاف السنين بمجرد فحص عظامه وأسنانه.

وهذا ممكن بفضل تقنية رائعة تسمى التحليل النظائري. النظائر هي علامات كيميائية صغيرة للطعام الذي نتناوله ويتم تخزينها في عظامنا وأسناننا. ويمكن الحفاظ عليها لآلاف السنين. ومن خلال دراستها، يمكننا أن نتعلم مباشرة عن النظام الغذائي للإنسان القديم.

منذ السبعينيات، استخدم العلماء تحليل النظائر المستقرة للتعرف على الأنظمة الغذائية وأنماط الحياة للمجموعات البشرية القديمة من خلال تحليل بروتين الكولاجين في عظامهم. الكولاجين هو بروتين موجود في الأنسجة الضامة والجلد والأوتار والعظام والغضاريف. على سبيل المثال، تم استخدام تحليل نظائر الكربون للكشف عن استهلاك الذرة لدى شعوب ما قبل التاريخ في أمريكا الشمالية. وقد استخدم الباحثون أيضًا هذه التقنية لمقارنة النظام الغذائي لإنسان النياندرتال والإنسان الحديث المبكر (الإنسان العاقل) في أوروبا.

قمت، بالتعاون مع فريق دولي من العلماء، بتحليل أسنان وعظام الأشخاص المدفونين في مغارة تافورالت في شمال شرق المغرب. وكانت عمليات الدفن متعمدة. وقد أشار الباحثون إلى الموقع على أنه مقبرة بسبب الطبيعة المنظمة لعمليات الدفن والفترة الطويلة التي حدثت فيها. يعد الكهف أحد أفضل المواقع التي تمت دراستها في شمال غرب إفريقيا في العصر الحجري القديم. ومن المرجح أنها أقدم مقبرة في شمال أفريقيا. فهي تحتوي على بعض من أقدم الحمض النووي البشري القديم في أفريقيا، مما سمح للعلماء بتوصيف السلالة الوراثية البشرية في هذه المنطقة.

تم تأريخ المدافن البشرية، المرتبطة بالثقافة الإيبيروموروسية، بالكربون المشع قبل ما بين 15100 و13900 سنة. وقد حدد علماء الحيوان أن السكان كانوا يصطادون الأغنام البربرية وأنواع الحيوانات الأخرى في المناطق المحيطة بهم، مثل الغزلان والهارتبيست والخيول. تظهر بقايا النباتات الكبيرة المستخرجة من الموقع أنه كان لديهم أيضًا إمكانية الوصول إلى مجموعة متنوعة من أنواع النباتات الأصلية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الجوز الحلو والصنوبر والشوفان والفاصوليا والفستق.

نظرنا إلى نظائر الكربون والنيتروجين والسترونتيوم والكبريت والزنك. الأطعمة المختلفة تترك “بصمات” نظائرية فريدة من نوعها. على سبيل المثال، تحتوي اللحوم والنباتات والمأكولات البحرية على نسب مختلفة من نظائر الكربون والنيتروجين، مما يساعدنا على تحديد أنواع الأطعمة التي كان الناس يتناولونها.

استخدمنا أيضًا تقنيات متطورة تتضمن نظائر الزنك التي طورها أحد المشرفين على درجة الدكتوراه، كليرفيا جاوين، والتي طبقناها على مينا الأسنان. هذه الطريقة، جنبًا إلى جنب مع تحليلات الأحماض الأمينية، سمحت لنا بالتمييز بشكل أكبر بين المصادر النباتية والحيوانية في النظام الغذائي.

أعطانا هذا النهج المبتكر صورة أكثر وضوحًا وتفصيلاً لما كانت تبدو عليه الأنظمة الغذائية القديمة، وسلط الضوء على كيفية تكيف هؤلاء الأشخاص مع بيئتهم قبل وقت طويل من بدء أي شخص في زراعة المحاصيل.

نظام غذائي مفاجئ للصيادين

قمنا بتحليل مينا الأسنان والعظام من سبعة أفراد من مغارة تافورالت والعديد من الأسنان المعزولة. كشف تحليلنا عن شيء غير متوقع: فبدلاً من اتباع نظام غذائي غني باللحوم، أظهرت التوقيعات النظائرية اعتماداً كبيراً على النباتات البرية. كما وجدنا أيضًا أدلة قليلة على استهلاك المأكولات البحرية أو أغذية المياه العذبة، وهو ما كان مفاجئًا نظرًا لقربها من مصادر المياه. أشار بحثنا إلى أنه على الرغم من أن الإيبيروموروسيين يستهلكون بعض اللحوم، إلا أن نظامهم الغذائي يعتمد بشكل كبير على النباتات البرية التي ربما قاموا بتخزينها لتوفير الإمدادات الغذائية طوال العام.

أحد الاكتشافات المثيرة للاهتمام التي توصلنا إليها هو أن الطفل يبدأ في تناول الأطعمة الصلبة في سن مبكرة من عمر ستة إلى 12 شهرًا تقريبًا. ويبدو أن هذا الطفل أُعطي أطعمة نباتية، ربما على شكل عصيدة أو حساء. وهذا يعطينا لمحة رائعة عن كيفية رعاية الصيادين لأطفالهم في الماضي.

تساعد النتائج أيضًا في تفسير سبب شيوع تجاويف الأسنان بين سكان تافورالت. لقد تناولوا الكثير من الأطعمة النشوية، والتي يمكن أن تؤدي إلى تسوس الأسنان، خاصة أنهم لم يكن لديهم فرشاة أسنان أو نظافة أسنان جيدة في ذلك الوقت. سوف تلتصق قطع النبات في أسنانهم وتسبب تسوسًا، مما يؤدي إلى مشاكل في الأسنان.

كان على الأشخاص الذين كانوا في الأساس صيادين أن يتبعوا أسلوب حياة بدوي. لكن في تافورالت، عثر علماء الآثار على حجارة طحن من المحتمل أنها تستخدم في معالجة النباتات. يشير استخدام الكهف كموقع للدفن، بالإضافة إلى الاستهلاك المكثف للنباتات، إلى أن هؤلاء السكان ربما كانوا يعيشون بالفعل أسلوب حياة أكثر استقرارًا، مستغلين الموارد الغذائية المتاحة من المنطقة المحيطة.


اقرأ المزيد: تظهر الآثار الكيميائية في أواني غرب إفريقيا القديمة نظامًا غذائيًا غنيًا بالنباتات


يتطلع

تتحدى هذه النتائج وجهة النظر التقليدية القائلة بأن الاعتماد الكبير على الأنظمة الغذائية النباتية بدأ فقط مع الزراعة. كان الإيبيروموروسيون يستهلكون الكثير من النباتات البرية قبل 8000 سنة من بدء الزراعة في المغرب. ويشير هذا إلى أن البشر الأوائل كانوا أكثر قدرة على التكيف وسعة الحيلة في عاداتهم الغذائية مما كان يعتقد سابقا. إن فهم هذا يساعدنا على تقدير مدى تعقيد ومرونة الأنظمة الغذائية البشرية في عصور ما قبل التاريخ وكيف أثرت هذه الممارسات الغذائية على تطورنا وصحتنا.

تُظهر دراستنا أيضًا كيف يمكن للتقنيات النظائرية الجديدة أن تعطينا رؤى تفصيلية حول النظام الغذائي لأسلافنا، مما يساعدنا على فهم أسس التغذية البشرية.

تم إعادة نشر هذا المقال من The Conversation، وهي منظمة إخبارية مستقلة غير ربحية تقدم لك حقائق وتحليلات جديرة بالثقة لمساعدتك على فهم عالمنا المعقد. بقلم: زينب مبهرج، جامعة ليدن

اقرأ أكثر:

حصلت زينب مبهرج على تمويل من معهد ماكس بلانك. وهي تابعة لجامعة ليدن.