إيناس الجرّاح مضيفة طيران لبنانية ” تتحدى مرض سرطان الثدي وتُحلّق بعزيمة وإبتسامة لطيفة لمتابعة عملها!

كتبت سلوى بعلبكي في صحيفة النهار:

إيناس الجرّاح مضيفة طيران لبنانية تعمل في شركة طيران الشرق الأوسط “الميدل إيست”، هي واحدة من ملايين النساء اللواتي غدر بهنّ مرض سرطان الثدي. تمّ تشخيص إصابتها العام الماضي بالمرض، ولكنّها كتمت الخبر عن الجميع، باستثناء مديرها المباشر لضرورات تنظيم العمل، وزميلتها التي ستؤمّن المناوبة بديلاً عنها خلال تلقّيها جرعات العلاج، وعند إجرائها العملية الجراحية.
 
وقع الخبر عليها كالصاعقة، فهي فتاة رياضية وتتبع نظاماً غذائياً صحّياً في وجباتها، حتّى أنّ هذا “الخبيث” لم يسبق له أن طرق باب عائلتها أبداً، من هنا بدأت المفاجأة الأولى لها. لكنّها، مدفوعة بقوّة الإيمان بالله والحياة، وعلى الرغم من قسوة الخبر والصدمة، قرّرت الجرّاح عدم الاستسلام إلى ضيف جسدها الجديد.
 
استجمعت، في كلّ مرّة كان الضعف ينتابها، عناصر القوّة لديها والتصميم على الاستمرار والصمود وقيادة الدفاع عن صحتها، والاستمرار بإقناع ذاتها أنّ هذا المرض يمكنه أن يغلبها ويسيطر عليها في ما لو أظهرت الخوف والضعف أمامه.
وما زاد قوّة الدفاع لديها، عملها كمعالجة نفسيّة إلى جانب عملها كمضيفة في “الميدل إيست” الأمر الّذي ساعدها كثيراً، وحصّن أيضاً فعالية مواجهتها للأزمة المستجدّة في حياتها.
 
يوم تبلّغت الجرّاح نتيجة الفحوصات الطبية والخبر اللئيم، كان موعد إقلاع طائرتها بعد الظهر، فلم تتلكّأ، وبرغم الصدمة والحيرة اللتين كانتا تلبسانها. ارتدت ثيابها وابتسامتها، ووضعت ما تحتاجه من مساحيق التجميل، ووقفت كعادة أيامها الهانئة، عند باب الطائرة تستقبل الركّاب بكياستها المعهودة، وترشدهم حيث يجب، لتسرق بعدها أثناء الرحلة بين الفينة والأخرى، خلوة صغيرة مع آلامها المعنوية في مرحاض الطائرة، لتفرّغ ما اختزنته عيناها من دموع وأسف.
 
اليوم، وبعد أكثر من عام على بدء العلاج، استطاعت الجرّاح تجاوز قساوة المحنة والمرض، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عائلتها التي لم تكن تعلم بمرضها (سوى اختيها)، إلّا بعدما بدأ شعرها يتساقط نتيجة العلاج.
 
في تلك الفترة تحديداً، شعرت وكأنّ المرض بدأ ينال من معنويّاتها، فأشهرت في وجهه التحدّي، وبدأت تضع شعراً اصطناعيّاً صمّمته خصّيصاً ليلائم وجهها، ولم تتردّد حينئذ في إخبار أصدقائها وزملائها بأنّها مصابة بـ”الخبيث”، وأكملت التحدّي فوضعت “فيديو” على وسائل التواصل الاجتماعيّ حليقة الرأس.
 
فور شيوع خبر إصابتها بالمرض أصيب الجميع بالصدمة، خصوصاً أنّها كانت لا تزال تمارس عملها بانتظام، دون أن تبدو عليها أيّ علامات المرض، فانهال عليها الدعم المعنويّ والعاطفيّ، من أصدقاء وزملاء في العمل، كلّ على طريقته، ما منحها المزيد من القوّة والثبات بالمواجهة.
 
لاحظ مرّة أحد ركاب “الميدل إيست” الدائمين أنّها تضع “باروكة”، ولكنّه التزم اللطف ولم يسألها ممّا تُعاني، فانتظر حتّى هبطت الطائرة وطلب منها أن تشاهد “بودكاست” بعنوان The Power of love in healing cancer، وعندما فعلت، عرفت أنّه يريد أن يدعمها بطريقته الخاصة.
 
ليس خافياً أنّ عمل مضيفات الطيران متعب ويحتاج إلى الكثير من القوّة، فكيف مع مضيفة مصابة بالسرطان؟
 
لا تخفي الجرّاح أنّ إصابتها بالمرض سبّبت لها الإرهاق والتعب أثناء الرحلات، ولكنّ تصميمها على تحدّي الخوف، وتحمّل عوارض العلاج، جعلاها لا تستثني أيّاً من رحلاتها المقرّرة، باستثناء الأيام المحدّدة للعلاج والاستشفاء.
 
التحدّي تترجمه الجرّاح يومياً عبر شحن روحها ومعنوياتها بطاقة إيجابيّة، قبل تناول جرعات الدواء، من خلال قراءة سورة من القرآن الكريم، وبناء ثقة ذاتيّة بأنّ الصلاة والعلاج سيشفيناها، وأنّ ما تشعر به من عوارض هو اّنعكاسات طبيعية، ويمكن أن تحصل مع أيّ إنسان لا يعاني من الأمراض.
 
لم تفكّر الجرّاح إطلاقاً بترك وظيفتها، وساعدها في ذلك التضامن والدعم الذي لمسته من زملائها ومديريها ومؤسّستها. فالعمل بالنسبة إليها مصدر قوّة وحياة. وشغفها بعملها كمضيفة طيران ساعدها على التعافي ومنع المرض من اجتياح تفكيرها، خصوصاً أنّ طبيعة عملها تلزمها بلقاء الكثير من الناس، ما يشغلها عن التفكير الدائم بالمرض.